أما الاستدلال على ذلك بقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (٣٣)﴾ [محمد: ٣٣]، فقد رد بأن المراد الإبطال بالشرك والرياء، ولأن من أذن له الشارع في الفطر لضيافة ونحوها فقد أبطل عمله على وفق ما يقولون، قال ابن عبد البر:«من احتج في هذه المسألة بقوله: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾؛ فجاهل بأقوال أهل العلم فيها،،،».
قلت: احتج بها ابن المنذر وغيره، وقد شنع الغماري على من احتج بها، وليس بمستقيم فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لكن يقال إن الأدلة قد دلت على جواز إفطار الصائم فيكون مستثنى، ولأن المضي في العمل وعدم تركه هو الأصل، قال ابن العربي في العارضة (٣/ ٢٧٢): «عول مالك على أن هذا الحديث يعضده المعنى من أنه خير شرع فيه، فلا يحسن نقضه، والحسن ما حسنته الشريعة، وحديث سلمان وعائشة المسند الصحيح أولى وأحق أن يتبع»، يعني بحديث سلمان قصته مع أبي الدرداء حين عزم عليه أن يفطر فأفطر وقال عنه الصادق المصدوق ﷺ:«صدق سلمان»، وهو في صحيح البخاري، لكن ابن العربي قال خلاف ما تقدم في المسالك (٤/ ٢٢٧)، وزعم أن أكل النبي ﷺ يحمل على أنه كان مجهودا بالجوع، وهي كانت غالب أحواله، فكان يصوم إذا عدم؛ رغبة في الأجر، ويفطر إذا وجد؛ للحاجة في الأكل»، انتهى.
قلت: هذا أمر فيه شناعة، وإن كان ظاهر بعض ألفاظ الحديث يعطيه، لأنه يجعل كلا من الصوم والفطر غير مقصود للنبي ﷺ، بل هما تابعان لما ذكره من وجود ما يؤكل وعدم وجوده، وهذا لا يليق بحال الواحد العادي من أمته، فكيف بمن كان ربه يطعمه ويسقيه؟.
أما من أفطر في الفرض ناسيا؛ فعليه القضاء في المذهب، وهو المشهور، وهو ما بينه المؤلف بقوله:«بخلاف الفريضة»، قال مالك في الموطإ (٦٧٩): «من أكل أو شرب في رمضان ساهيا أو ناسيا، أو ما كان من صيام واجب عليه؛ أن عليه قضاء يوم مكانه»، انتهى، وحجتهم أن هذا لم يكمل العدة المذكورة في قول الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾.
قلت: إكمال العدة وارد في المريض والمسافر ونحوهما من المأمورين بالقضاء، ومن الحجج؛ أن المكلف مطالب أن يأتي بيوم سالم من الخرم، والأوامر لا تسقط بالنسيان.
قلت: هذا إن كان خرما فإن الشرع لم يعتد به، بل سمى الفاعل صائما، أما القاعدة