سبيل الله مرة واحدة في السنة تحت إمرة الإمام إن كان، وقال ابن حزم في المحلى (٧/ ٢٩٩) إن الفرد من المسلمين يجب عليه هذا الجهاد إن لم يكن إمام، وقال فيه (٧/ ٣٥١): «قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ فلم يخص بأمر الإمام ولا بغير أمره، ولو أن إماما نهى عن قتال أهل الحرب؛ لوجبت معصيته في ذلك لأنه أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة له، وقال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ (٨٤)﴾ [النساء: ٨٤]، وهذا خطاب متوجه إلى كل مسلم، فكل أحد مأمور بالجهاد وإن لم يكن معه أحد، وقال تعالى:«انفروا خفافا وثقالا» ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾، وقال تعالى: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾، انتهى، وهذا الذي قاله ﵀ فيه خطر عظيم، وفساد كبير، ولئن لم يكن فساده في عصره بينا؛ فقد جد من الأمور ما لا يجوز معه القول بهذا الذي قاله، وقد عشنا في هذا العصر منه فصولا دامية، واصطلينا منه بنيران حامية، وما قاله بعض العلماء من ذلك بسبب بعد من يُستأذن من الأمراء والأئمة كما في النوادر لم يعد له وجود الآن لتوفر وسائل الاتصال.
ويتجه جيش المسلمين إلى أهم الجهات التي يخشى منها العدو، فإن تساوت الجهات في توقع الخطر؛ فالنظر للإمام يتخير منها واحدة إن لم يكن في عدد المسلمين وعددهم كفاية للقيام بذلك في أكثر من جهة، وإلا وجب سد الجميع، وإنما وجب الجهاد الكفائي مرة في العام نظرا إلى أن الجزية تؤخذ في العام مرة، إلا إذا احتيج إلى القتال في العام أكثر من مرة؛ فيتعين ذلك.
ويكون الجهاد فرض عين في حالات أربعة، أولاها: أن يفجأ العدو محلة قوم، فيتعين عليهم جميعا لا فرق بين من كان من أهله، ومن لم يكن منهم كالنساء والعبيد، ويتعين على المقصودين بالحرب، ومن جاورهم الأقرب فالأقرب، لقوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ (٧٢)﴾ [الأنفال: ٧٢]، والثانية: أن يكون للمسلمين أسرى، فيجب عليهم افتكاكهم، لأمر النبي ﷺ بذلك، ولا يظهر لي في هذه الحال أنه فرض على الأعيان، والثالثة: النذر لأنه طاعة فيجب الوفاء بها، لكن مع وجود الإمام، وإلا فقد عجز عنه فكفارته كفارة يمين، لقول النبي ﷺ: «من نذر أن