للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٨ - باب في الأَقْضية والشهادات

الأَقضِية بفتح الهمزة جمع قضاء، كَقَباء وأقبية، ومثله قضايا جمع قضية، ومن معاني القضاء قي اللغة الحكم، والمقصود هنا الإخبار عن حكم شرعي على وجه الإلزام، والفرق بينه وبين الفتوى أنها لا إلزام معها، وعطف الشهادات على الأقضية لأنها أهم ما يعتمد عليه في القضاء، لأن المقصود من الباب بيان ما يستند إليه في إصدار الحكم.

والشهادات جمع شهادة، من شهد بمعنى حضر وأخبر وأعلم، والثاني والثالث هما الصالحان هنا، قال الجوهري: الشهادة خبر قاطع والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود، أي الحضور، ولأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره، وقيل مأخوذ من الإعلام».

والفرق بين الشهادة وبين الرواية أن الشهادة إخبار يختص بمعين، والرواية إخبار لا يختص معين، وهي فرض كفاية متى كان المرء في موضع يصلح غيره لها تحملا وأداء، وإلا كانت فرض عين يأثم الممتنع منها، ويجبره الحاكم عليها بالضرب والسجن لما في الامتناع من ضياع الحقوق، وقد نهى الله تعالى الشهداء أن يمتنعوا من أداء الشهادة متى دُعُوا، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢]، قيل إن النهي عن الامتناع من تحمل الشهادة، وقيل إنه في الأداء لأن قوله الشهداء يدل على أنهم قد تحملوا، وهو الأقوى، وهو قول الجمهور، قال ابن كثير: «والشاهد حقيقة فيمن تحمل، فإن دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهي فرض كفاية»، انتهى، ومع ذلك فليس يبعد ما قاله أهل المذهب من كونها فرض عين في التحمل عند عدم وجود من تثبت به الحقوق، لأن الحفاظ عليها واجب، والله أعلم.

والمباحث الأصيلة في هذا الباب أن يذكر فيه ما يدل على حكم القضاء وهو أنه من فروض الكفاية، وفضل القائم فيه بالحق، وخطورته، وما ينبغي أن يكون عليه القاضي من الصفات من العدل والتسوية بين الخصوم، وما يعتمد عليه في القضاء من الشهادة والإقرار واليمين والنكول.

<<  <  ج: ص:  >  >>