القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة فأجاد، وما كل مجيد يقبل كلامه، ولا يدل على الشرطية ما ثبت من توضئه ﷺ قبل أن يطوف، لأنه مجرد فعل وهو يدل على الاستحباب، وقد سبق الكلام عليه، ولأنه لا خلاف في اشتراط الطهارة للصلاة، والطواف يصلى بعده، ولأن استحباب الطهارة لذكر الله لا خلاف فيه، وفيه النص حيث تطهر النبي ﷺ ليرد السلام.
ومع هذا يتعين القول إن على من أراد الطواف أن يتطهر، فإن انتقض وضوؤه فليتم طوافه، ثم ليتوضأ لصلاة الركعتين، وفي الحديث دليل على استحباب ترك الكلام بغير الذكر والدعاء في الطواف.
وسنن الطواف خمسة: أولها الرمل بفتح الميم في الأشواط الثلاثة الأول كلها، والمشي في باقي الأشواط، لكن هذا إنما يكون في طواف القدوم بخاصة، لا في النفل، ولا في طواف الإفاضة إلا للمراهق، فإنه لما لم يطف؛ كان مطالبا بالرملان، ودليله ما في حديث حجته ﷺ:«فرمل ثلاثا ومشى أربعا»، وأصله قوله ﷺ:«ارملوا بالبيت، ليرى المشركون قوّتكم» رواه أحمد عن ابن عباس، والرمل هو الخبب أيضا بفتح الخاء والباء؛ سير فوق المشي ودون الجري، وإنما يسن في حق الرجال لا النساء.
وثاني السنن المشي، فلا يركب ولا يحمل إلا من عذر، فإن فعل؛ أعاد، فإن رجع إلى بلده؛ فعليه هدي، ومشهور المذهب أن المشي واجب، وهو اللائق بالقول بوجوب الدم على تاركه من غير عذر متى تعذرت إعادته، فيلتقي القولان.
ودليل المشي في الطواف؛ حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت:«شكوت إلى رسول الله ﷺ أني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»، فطفت ورسول الله ﷺ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور»، رواه البخاري (١٦٣٣)، وقولها «أني أشتكي»؛ تعني أني مريضة، من التعبير بالمسبب عن السبب، فدل على أن الإذن بالركوب مقيد بحال المرض، لكن النبي ﷺ قد طاف راكبا على بعيره كما في الصحيح عن جابر وأبي الطفيل، وجاء ذلك عن صفية بنت شيبة، وجاء عن ابن عباس أنه ﷺ قدم مكة وهو يشتكي، فطاف على راحلته … الحديث، رواه أحمد وأبو داود (١٨٨١)، وفيه من لا يحتج