بعد الطواف، وحكمهما الوجوب إن كان الطواف واجبا أو ركنا، وإلا يكن كذلك؛ فقد اختلف فيهما، فإن تركهما فثمة تفصيل يطلب في الشروح.
وبقي من الواجبات أن يكون الطواف بالبيت كله، فلو طاف داخل الحجر لم يصح طوافه لقول النبي ﷺ لعائشة -رضي الله تعالى عنها-: «صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت»، رواه أبو داود (٢٠٢٨) والترمذي (٨٧٦)، والحجر بكسر الحاء هو الموضع غير المبني من الكعبة إلى جهة الشمال، ومقداره ما بين ستة أذرع إلى سبعة، وسببه أن الكعبة حين هدمها السيل في الجاهلية وبنتها قريش قصرت بهم النفقة عن إقامتها على قواعد إبراهيم، وقد قال النبي ﷺ لعائشة -رضي الله تعالى عنها-: «لولا قومك حديثو عهد بكفر لأقمت الكعبة على قواعد إبراهيم»، وهو في الصحيح، وقد أقامها على قواعد إبراهيم ﵊ عبد الله بن الزبير رضي لله عنهما، ثم هدم ذلك البناء الأمويون، واستشار بعض الخلفاء مالكا في إعادة بنائها على تلك القواعد؛ فنصحه أن لا يفعل حتى لا تكون الكعبة مضحكة للناس، ولو أعيد بناؤها اليوم على قواعد إبراهيم لكان ذلك خيرا، إذ لا مانع منه، وقد ألمح إلى ذلك ابن كثير ﵀، ومن الواجبات أن يكون الطائف محصلا لشرائط صحة الصلاة وهي الطهارتان، وستر العورة، فإن أحدث في أثنائه؛ تطهر واستأنف، ولا يبني على المشهور، ونقل ابن حبيب عن مالك أنه يبني، وفرق بعضهم بين الفرض والنفل، والثاني من الواجبات التي لم يذكرها المؤلف أن يكون الطواف داخل المسجد، والثالث أن يوالي بين الأشواط، فلا يقطعه قطعا طويلا، ولا غير طويل لغير حاجة كالشرب، أو المريض والضعيف يقف للاستراحة قليلا، فإن نسي شوطا، ولم ينتقض وضوؤه؛ عاد إليه بالقرب كما في الصلاة، وإن طال بطل الطواف بالقياس عليها.
واعلم أنه لم يقم الدليل الصحيح الصريح على وجوب طهارة الحدث في الطواف فضلا عن شرطيتها، وحديث الترمذي (٩٦٠) عن عن ابن عباس مرفوعا «الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير»؛ لا دليل فيه على الوجوب، مع ما في ثبوته من الكلام، وقد أطال الكلام في الاستدلال به على الشرطية