أي باب في ذكر بعض آداب الطعام والشراب، وهما دليل على أن الإنسان فقير محتاج، وأنه لا يستحق أن يعبد، ولذلك قال الله تعالى يرد على من أله عيسى وأمه ﵉: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ [المائدة: ٧٥]، وقال تعالى يرد على من رأوا أكل الطعام والمشي في الأسواق غير لائق بالنبي ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠]، وقال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾
[عبس: ٢٤].
وقد ذكر ربنا في كتابه ما يشترك الإنسان والأنعام وغيرهما من الحيوان في أصله، وطوى ذكر ما يختص بالإنسان من الصنع والتحويل والتعديل، فمن كان همه الأكل فقط من غير شكر من أطعمه وسقاه بتوحيده وعبادته كان كالحيوان، بل كان أضل منه، وقد جمع الله تعالى بين الصنفين في سياق واحد في سور طه والسجدة والنازعات وعبس، ليمتن على عباده بما أخرج لهم من الأرض من النبات الذي هو معظم طعامهم، وللاستدلال بذلك على إحيائه خلقه وبعثهم، قال تعالى: ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)﴾، وقال تعالى: ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ﴾، وقال: ﴿تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (٢٧)﴾، وقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢)﴾ [محمد: ١٢]، وتأمل خاتمة هذا الدعاء الذي روي أن النبي ﷺ كان إذا فرغ من طعامه قاله:«الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين»، رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد، وعزاه الغماري للترمذي، أما الإله الواحد الأحد الفرد الصمد فإنه هو الذي يرزق عباده ويطعمهم، قال سبحانه: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ (١٤)﴾ [الأنعام: ١٤]، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩)﴾ [الشعراء: ٧٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦ - ٥٧].