أي لا يصح الاعتكاف إلا من صائم، سواء كان صومه في رمضان، أو صوم نذر، أو كفارة، أو تطوع، وقد روى أبو داود (٢٤٧٣) عن عائشة قالت: «السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع»، قال الحافظ في بلوغ المرام:«لا بأس برجاله، إلا أن الراجح وقف آخره»، وحسنه الألباني، وقال في الإرواء (ح/ ٩٦٦) بعد أن ساق هذه الزيادة على ما في الصحيحين عند البيهقي: «و إسناده صحيح»، وقال عن إسناد أبي داود؛ جيد على شرط مسلم.
قلت: لكن اللفظ الزائد عند البيهقي هو: «والسنة فيمن اعتكف أن يصوم»، ولفظ أبي داود:«ولا اعتكاف إلا بصوم»، والأول يحتمل الندب، وهو الأقوى، بخلاف الثاني، فإنه يفيد الشرطية، والظاهر أن أم المؤمنين فهمته من فعل النبي ﷺ، فيحمل على شرط الكمال، فإن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب فضلا عن الشرطية، ومعلوم أن اعتكافه كان مع الصوم غالبا، لكنه اعتكف في شوال أيضا، فقول صاحب الروضة الندية:«يظهر أنه ليس من بيان السنة المذكورة»؛ فيه نظر، لما تبين لك من الجمع بين روايتي أبي داود والبيهقي، أما ترجيح ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٨٨) شرطية الصوم في الاعتكاف؛ فلاعتماده على قول أم المؤمنين عائشة، وعلى فعل النبي ﷺ، وقد علمت ما فيه.
ويدل على عدم وجوب الصوم مع الاعتكاف؛ ما في الصحيحين من حديث ابن عمر عن أبيه ﵄ أنه قال يا رسول الله:«إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام»، فقال له النبي ﷺ:«أوف بنذرك»، فاعتكف ليلة»، متفق عليه (خ/ ٢٠٤٢).
فإن قيل: أمره أن يفي بما نذر، ولم يكن قد نذر الصوم؛ فالجواب: أنه لا يأمر بالوفاء