لتفريطهم في الكثير من أحكام دينهم، والجهاد إنما شرع لحماية الدين، فعليهم أن يحموا دينهم من أنفسهم، وهم على ذلك إلى أن يأذن الله، وإلا فكيف يجاهدون غيرهم على الدين، وهم عن كثير من أحكامه معرضون، وعن حقائقه غافلون، وقد قال النبي ﷺ:«إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، رواه أبو داود (٣٤٦٢) عن ابن عمر، صححه الألباني، فانظر كيف جمع النبي ﷺ بين أنواع من المخالفات، منها بيع العينة، بكسر العين، وذكرها والله أعلم فيه إشارة إلى التحايل على ما حرم الله تعالى، وقد شاعت فينا التجارة الطفيلية وهي لا تنفع المسلمين، ومنها الإفراط في الاشتغال بما هو مباح مشروع عما هو أهم منه، وذلك هو الرضا بالزرع، والزرع مطلوب مرغوب، ومنها الانعزال عن الحياة، فتصبح أزمتها وخطمها بيد الكفار، وذلك هو الذي رمز له باتباع أذناب البقر، وقال النبي ﷺ:«ما ترك قوم الجهاد إلا عمّهم الله بالعذاب» رواه الطبراني في الأوسط عن أبي بكر ﵁، وهو في الصحيحة برقم (٢٦٦٣).
وقال أسلم بن أبي عمران: «غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: «مه، مه، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب ﵁: «إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام؛ قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (١٩٥)﴾ [البقرة: ١٩٥]، فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة؛ أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد»، قال أبو عمران:«فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية»، رواه أبو داود (٢٥١٢) والترمذي، ومه اسم فعل أمر معناه كف، هكذا إذن كان الناس يفهمون أن الجهاد تأهب دائم، وترقب مستمر، ولا يعني انتهاء معركة عندهم إلا انتظار التي تليها.
يحزنني أن أتكلم على شيء لا وجود له في حياة المسلمين، مع أن ذروة سنام الإسلام الجهاد، وإذا كانوا غير مستطيعين لتفريطهم فيما يلزم للقيام بهذه الفريضة الكفائية - والذي يترتب على التفريط فيها معروف - فما لكثير منهم قد تقاذفتهم في الجهاد الأهواء