ما بين غلو وجفاء؟، وإذا تأملت حالهم ألفيتهم فيه أصنافا، فمنهم من صار يستثقل سماع هذه الكلمة، وقد عشنا زمانا كان من يقرأ فيه شيئا من القرآن في الصلاة يذكر فيه الجهاد يرتاب في حاله، وربما نبز بوصف الخوارج والقتلة، وهذا شأن الفتن، تهيء المحيط الذي يلتبس فيه الحق بالباطل، ومنهم هؤلاء الذين يقاتلون المسلمين، بل يقتلونهم، والجهاد إنما شرع لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وترك الحرية للناس يختارون ما يريدون من غير إكراه وعسف، فلما عجز المسلمون عن مقاتلة عدوهم ظهر فيهم من يقاتلهم بعد أن كفروا حكامهم، ثم رأوا أن الناس قد سكتوا عليهم أو أعانوهم، فجعلوهم مثلهم، فنشروا بذلك الفتن التي شرع الجهاد لدفعها، وضيقوا مجال الدعوة إلى الله في بلاد المسلمين، وقد شرع الجهاد لإفساح المجال لها في بلاد الكافرين، وأراد فريق آخر أن ينتقم من الكفار الذين جاسوا خلال الديار بنقل القتال إلى أرضهم، فمات منهم عدد محدود في بلدان شتى من غير وسيلة قتال مشروعة، فما حصلنا من ذلك إلا على استعدائهم على غزو بلادنا مجاهرين معالنين، بعد أن كانوا يغزوننا مختفين متسترين، فسفكت دماؤنا، وخربت ممتلكاتنا، وانتهكت حرماتنا، وغدونا لاجئين في أوطاننا، بل احتلت بعض بلداننا، بعناوين جديدة، واستفاد الكفار من وراء ذلك استفادات جمة، أخطرها وجود من يتعاون معهم منا على هدم ما بقي من إقامة أحكام الله تعالى، وقد بلغ الأمر أن تدخل الكفار فيما نعلم أولادنا لأن مناهج التعليم عندنا هي التي تسببت فيما حصل لهم!!، ومما استفادوه ما توفر لهم من الأسواق لترويج أسلحتهم وبضائعهم وحصول شركاتهم على المشاريع الكبيرة والأموال الطائلة في بناء ما دمروه، وإقامة ما خربوه، كما حصل في العراق وأفغانستان، وكما جرى في غزة وجنوب لبنان، وقد يجري مثيله غدا في إيران وباكستان، وهو يجري الآن في الصومال والسودان، والأيام حبالى بالحوادث، وما لنا نجعل رائدنا في علاقتنا بعدونا غير هدي الشرع، من هذه المواثيق والالتزامات التي ألزمنا بها أنفسنا، مع أن علاقة المسلم بعدوه تختلف من حين لآخر حسب قوته وضعفه وليست ضربة لازب يبت فيها في وقت، فتصلح لكل وقت، ولئن كنا نعجب لما أظهره المؤمنون ويظهرونه من الصبر والجلد، وتحمل الحصار والإغلاق، ولئن كنا نكبر من إخواننا الذين أثبتوا ما علمناه من