١٦ - «فإذا جلست بعد السجدتين؛ نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض، وثنيت اليسرى، وأفضيت بأليتك إلى الأرض، ولا تقعد على رجلك اليسرى، وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها، فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع».
تقدم أن مشهور المذهب تساوي صفة الجلوس في الصلاة كلها، وأنه يكون بالتورك أي الإفضاء بالأَلية اليسرى إلى الأرض، وهو منصوص المدونة من قول مالك، وذكرت قبل أن كلام المؤلف في صفة جلوس التشهد يشعر بأنه يرى أن جلوس الصلاة في غير التشهد مخالف لجلوسها في التشهد، وتقدم دليل ذلك، ويدل على ما قلته تصريحه هنا بقوله: ولا تقعد على رجلك اليسرى، بخلاف ما تقدم في الجلوس بين السجدتين، ولأنه جلوس يعقبه قيام فهو مناسب للاستيفاز - أعني التهيؤ للنهوض - بعد ثبوته شرعا، وذهب القاضي ابن العربي إلى هذا أيضا فقال:«والجلوس على الرجل اليسرى في الرفع من السجود والجلسة الوسطى، ولا يكون جفاء بالرجل، ولكنه جلوس استيفاز، فلم يتمكن فيه، ولم ير ذلك مالك، وإني لأراه مندوبا مستحبا، وأنا أفعله في كل صلاة، اقتداء بسيد البشر، لصحة الخبر»، (عارضة الأحوذي: ١/ ١٠١)، وأقول إن عذر الإمام قائم، وهو كونه لم يطلع على غير ما رواه في موطئه وسترى ما يكتنفه من الإجمال الذي يسوغ معه ما ذهب إليه الإمام، والله أعلم.
واعلم أن مالكا ﵀ لم يرو في الموطإ من الأحاديث في صفة الجلوس التي نحن بصددها؛ إلا ما أخذه القاسم بن محمد من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وهو أن الجلوس في التشهد يكون بنصب الرجل اليمنى، وثني الرجل اليسرى، والجلوس على الورك الأيسر، الموطأ (١٩٩)، واعتبر علماء المذهب هذه الرواية مبينة لما أجمل في رواية عبد الرحمن