١٩ - «ولا يرجع الرجل في صدقته ولا ترجع له إلا بالميراث».
المراد بالرجوع في الصدقة استعادة امتلاكها بسبب من الأسباب لا مجرد إبطالها، لأنها في هذا لا خصوصية لها، فإن جميع العطايا ما عدا الوصية لازمة بمجرد القول، ودليل المنع ما تقدم من تشبيه العائد في عطيته بالعائد في قيئه لشمول العطية الهبة والهدية والصدقة، أما الدليل الخاص فما في حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال:«حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص، فسالت عن ذلك النبي ﷺ فقال: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه»، رواه مالك (٦٢٥) والبخاري (٢٦٢٣)، قوله حملت على فرس يريد أنه ملكه شخصا ليركبه في الجهاد، وقوله فأضاعه أي لم يحسن القيام عليه، فالحامل لعمر ﵁ على شرائه ما رآه من ضياعه، لكونه كان فرسا كريما عتيقا، ووصف شراء الصدقة بالرجوع فيها باعتبار التسامح في السعر الذي قد يعامل به البائع المشتري، أو لمجرد عودها إليه، فهذا في صدقة يشتريها المتصدق فكيف بالرجوع فيها من غير شراء؟، ولم يفرقوا بين أن يشتريها من المتصدق عليه أو من غيره، وهو في المدونة، وفي الموطإ:«تركها أحب إلي»، ومثل الشراء أسباب التملك الأخرى، ولذلك قال خليل:«وكره تملك صدقة بغير ميراث».
وإنما استثني رجوع الصدقة بالميراث لأنه لا دخل للمتصدق في حصوله ولا خيار له، فلا تهمة عليه، وليس بعد ذلك إلا أن يمنع من ميراثه بسبب تصدقه، وهذا بعيد عن مقاصد الشرع وهديه، وقد جاء في رجوع الصدقة بالميراث حديث بريدة عند مسلم وأبي داود، وفيه قول النبي ﷺ:«قد وجب أجركِ ورجعت إليك في الميراث»، أما بغير الميراث فالظاهر أنه يحرم استرجاعها، وقيل يكره ببيع أو غيره وثمة صور يسوغ استرجاعها أو استرجاع شيء منها كالزوجة تتصدق على زوجها ثم ينفق عليها من تلك الصدقة، والوالد