والثالث هو قوله «أو بشاهدين على الجَرْح» هو بفتح الجيم لأن المراد فعل الجاني، ومثل الجرح الضرب، فإذا شَهِدَ رجلان على أنهم رأوه جرحه أو ضربه لا فرق بين العمد والخطإ، وتأخر موته، ومن ذلك أن يأكل أو يشرب بعد معاينة البينة فإن للأولياء أن يقسموا على أنه مات من ذلك، ويستحقون الدم أو الدية حسب أصل القتل الذي يدعونه، أما إن أنفذت مقاتله، أو لم يأكل ولم يشرب وبقي بعد الضرب أو الجرح مغمورا لم يتكلم ولم يُفق حتى مات فإن الجاني يقتل به أو يودى من غير قسامة، وإنما قيد الأمر برؤية الشاهدين للجاني يضربه لأنهما إن شهدا على قوله بأنه ضربه أو جرحه فإنه مفتقر إلى القسامة تأخر موته أو لا لضعف الشهادة على الدعوى عن الشهادة على المعاينة.
قال مالك في الموطإ:«الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضى في القسامة والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان: المدَّعُونَ في القسامة فيحلفون، وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما أن يقول المقتول: «دمي عند فلان»، أو يأتي ولاة الدم بلوث من بينة، وإن لم تكن قاطعة على الذي يُدَّعَى عليه الدم، فهذا يوجب القسامة لمدعي الدم على من ادعوه عليه، ولا تجب القسامة عندنا إلا بأحد هذين الوجهين»، انتهى.
وقد أنكر العلماء على مالك ﵀ الاعتماد على قول المقتول دمي عند فلان، وقالوا قد جعل سُنَّةً ما لا مدخل له في السُنَّةِ، وشنع بعضهم على من احتج لهذا الأمر بقصة قتيل بني إسرائيل إذ أحياه الله فقال قتلني فلان فقبل قوله، قال ابن عبد البر:«وهذه غفلة شديدة أو شعوذة لأن الذي ذبحت البقرة من أجله، وضرب ببعضها كانت فيه آية لا سبيل إليها اليوم، فلا تصح إلا لنبي أو بحضرة نبي»، انتهى.
قال كاتبه: قول القتيل دمي عند فلان قد يكون أقوى من مجرد وجود القتيل في محلة قوم، وقد قضى النبي ﷺ كما رأيت بالقسامة لأجل ذلك، والذين استأنسوا بقصة القتيل الذي أحياه الله وجعل نطقه آية، لم يحتجوا به من حيث كونه آية، بل احتجاجهم بمعزل عن جانب المعجزة لأن المعتمد هو نطقه بعد أن أحياه الله، والقائل دمي عند فلان قالها