هذا ما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو ﵄ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فاستأذنه في الجهاد، فقال:«أحي والداك»؟، قال: نعم، قال:«ففيهما فجاهد»، رواه البخاري (٣٠٠٤)، وقارن بإسناده في بلوغ المرام، قال الحافظ:«أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما، ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله: «فجاهد»؛ ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما لهما، وليس ذلك مراد قطعا،،، الخ، وقال نحوه صاحب سبل السلام وجعله من المشاكلة اللفظية، وما قالاه ليس بظاهر، ولا حاجة إليه، فإنه يقال: جاهد نفسك، وجاهد هواك، وجاهد الكفار، وهذا بين، وهو الذي استأذن الرجل فيه النبي ﷺ، أما إذا قيل: جاهد في كذا؛ فإن مفعوله محذوف، فمعنى الحديث جاهد نفسك في والديك، بإتعابها في إرضائهما والقيام بمصالحهما، كما قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ (٧٨)﴾ [الحج: ٧٨]، وقال: ﴿وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥)﴾ [المائدة: ٣٥]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (٦٩)﴾ [العنكبوت: ٦٩].
ومذهب ابن القاسم أن الإذن إنما يؤخذ من الأبوين المسلمين، وهو المشهور، وقال سحنون كما في النوادر (٣/ ٢٣): «ومن له أبوان أو أحدهما باق؛ فلا يغزو، وإن كانا مشركين»، يعني إلا بإذنهما، وقيده بعضهم بما إذا كانا شديدي الشفقة عليه وتبين ذلك بالقرائن، وإلا فإنهما قد يفعلان ذلك ليمنعاه من قتال الكفار، فلا يعتبر إذنهما.