من صفات المؤمن أن يستغفر لعموم المؤمنين اقتداء بالنبي ﷺ إذ قال الله تعالى له: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (١٩)﴾ [محمد: ١٩]، وأخبر عن الملائكة بقوله ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧)﴾ [غافر: ٧]، وقال الله تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ (٥)﴾ [الشورى: ٥]، وهذا استغفار ينصرف لكل من الناس بما يليق به، وقال عن الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: ١٠]، فكيف لا يستغفر المؤمن لوالديه؟، وقد صح أن الله تعالى يرفع درجة عبده في الجنة، فإذا سأل عن ذلك قيل باستغفار ولدك لك، وقال النبي ﷺ:«إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، رواه مسلم وبعض أصحاب السنن عن أبي هريرة.
وقيد المؤمنين في كلام المؤلف معتبر، فقد نهانا الله أن نستغفر للمشركين من غير فرق بين قريب منهم أو بعيد، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)﴾ [التوبة: ١١٣]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)﴾ [التوبة: ١١٤]، فإبراهيم ﵇ إنما دفعه إلى الاستغفار لأبيه فرط رحمته به، وشدة عطفه عليه، أو أنه كان قد وعده بما أطمعه في إيمانه كما هو ظاهر القرآن، وقيل كان قد وعده بالاستغفار له، ومع هذا فلما تبين له كفر أبيه وعداوته لربه بموته تبرأ منه، وقد استثنى ربنا هذا الأمر من اقتدائنا بإبراهيم عليه