وإبقاء المسلم على صلته بأقاربه الكفار لا تنافي براءته منهم، والصلة التي أبقى عليها الشرع لمعاملتهم لا تصل إلى الاستغفار لهم لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ (٤٨)﴾ [النساء: ٤٨]، وروى أحمد وهذا لفظه ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة قال:«زار النبي ﷺ قبر أمه فبكى، وبكى من حوله، فقال رسول الله ﷺ: «استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت»، قال الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا ﵀:«ولعله لم يؤذن للنبي ﷺ في الاستغفار لأمه لأنه فرع المؤاخذة على الذنب، ومن لم تبلغه الدعوة لا يؤاخذ على ذنبه، فلا حاجة إلى الاستغفار لها، لأن عدم الإذن بالاستغفار لا يستلزم أن تكون كافرة لجواز أن يكون الله تعالى منعه من الاستغفار لها لمعنى آخر كما كان النبي ﷺ ممنوعا في أول الإسلام من الصلاة على من عليه دَيْنٌ لم يترك له وفاء، ومن الاستغفار له مع أنه من المسلمين، وعلل ذلك بأن استغفاره ﷺ مجاب على الفور، فمن استغفر له وصل ثواب دعائه إلى منزله في الجنة وانتفع به فورا، والمدين محبوس عن مقامه الكريم حتى يقضى دينه، فقول من قال: إن عدم الإذن في الاستغفار لكفرها، والاستغفار للكافر لا يجوز غير سديد والله أعلم»، انتهى، وهو كلام طيب جزى الله قائله خيرا لولا ما جاء من النص على ذلك في صحيح مسلم، بحيث لا يتأتى تأويل الحديث، وقد أول بعضهم الأب فيه بالجد، وقد أدى هذا الأمر بالناس إلى أن يقولوا إن آزر ليس هو أبا إبراهيم ﵊، بل هو عمه، وما بي من رغبة في الخوض في هذه المسألة لولا أن لها تعلقا بما أشرحه، وقد امتحنت فيها منذ عقدين من الزمان فكان بعضهم يدس من يسألني عنها ليشيع في الناس أني أقول كذا وكذا، وليست الجنة ملكا لأحد حتى يدخل فيها من يشاء إدخاله، أو يمنع دخوله، ولو اتبع المرء عاطفته وهو يسعى في بيان الحق ما استقام شيء، ولوقف مع من اخترعوا أحاديث ينصرون بها ما ذهبوا إليه، وردوا أخرى صحيحة، أو امتنعوا من إثباتها فيما جمعوه، ليجتنبوا ما ظنوه حرجا، ومرد الأمر إلى صحة النقل وصحة الفهم عن الله ورسوله، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الفهم وأن يجنبنا الزيغان والوهم، قد قال ابن