رجالا إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة، ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين، رواه عنه سعيد بن منصور بسند صحيح قاله الحافظ في التلخيص الحبير (ح/ ٩٥٧)، وانظر الدر المنثور للسيوطي.
وجاء في حج التطوع قول الله تعالى في الحديث القدسي:«إن عبدًا أصححت له جسمه، ووسّعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم»، رواه أبو يعلى وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد، كما في الصحيحة برقم (١٦٦١)، وفيه حجة على أن الإنكار على من يكرر الحج والعمرة بدعوى أنه ينبغي أن ينفق في أوجه أخرى ليس على إطلاقه، والله أعلم.
وقد اختلف في وجوب الحج على المستطيع هل هو على الفور، أو على التراخي، والفور هو أصل المذهب، والتراخي لأهل المغرب، ونص ابن العربي في أحكام القرآن على أن لا قول لمالك في المسألة، وذكر ابن خُوَيزمنداد كما في تفسير القرطبي أن تحصيل مذهب مالك التراخي، وجمهور البغداديين من المالكية على الفور، وقد احتج ابن عبد البر له بأن من أخر الحج وهو قادر عليه؛ لا يفسق بإجماع المسلمين، ولا يقال عنه إن حج بعد تأخير إنه قضى الحج كما يقال ذلك عمن أخر الصلاة، قال كاتبه: هذا ليس بحجة، لأنه مصادرة على المطلوب، على أن الإجماع كثيرا ما ادعي، وسبب هذا الاختلاف؛ عدم حج النبي ﷺ في العام الذي فرض فيه الحج، قالوا وقد ذكر في سورة الحج وهي مكية، وأنت تعلم أن سورة الحج إنما ذكر فيها ما أمر الله به نبيه إبراهيم ﵊ من الأذان في الناس به، وهذا سابق على الإسلام، وكان العرب يحجون، وقد حج النبي ﷺ مرتين قبل افتراض الحج، وفي كون سورة الحج مكية خلاف، بل الظاهر أنها مدنية لافتراض الجهاد فيها، وروى أحمد وابن ماجة (٢٨٨٣) عن الفضل بن عباس أن رسول الله ﷺ قال: «من أراد الحج؛ فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة»، وهو في صحيح الجامع، وجاء بلفظ:«تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له»، رواه أحمد عن ابن عباس، وهذا كاف في ترجيح القول بأن الحج على الفور، فكيف بأمر الله تعالى بالمسارعة إلى الخيرات، وامتداحه عباده على ذلك.