الأدلة على أن تلك الجملة تقال في الأذان الأول قول ابن عمر ﵁ في الحديث الذي رواه البيهقي، وقد أورده الألباني ﵀ في (تمام المنة ص ١٤٦): «كان في الأذان الأول بعد الفلاح: (الصلاة خير من النوم مرتين)، فقد قال هنا الأذان الأول، وهذا نص.
فإن قلت: يقوي التغليب قول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: «كان رسول الله ﷺ إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين، قبل صلاة الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة»، رواه البخاري (٦٢٦)، وقد احتج به بعض الفضلاء على تقوية كون المراد من أثر أبي محذورة التغليب؛ فالجواب: أن هذا تغليب بلا شك، ومن يمنعه إذا دل عليه دليل؟، والدليل هنا موجودوهو أداء صلاة الفجر السنة، فأين الدليل هناك؟، ثم ما علاقة هذا الأثر بموضع تلك الجملة من الأذان الأول أو الثاني؟، إنه لا علاقة له بذلك ألبتة، فإن الخلاف كما هو واضح ليس في إثبات جواز التغليب في اللغة، حتى يحتاج إلى أن يستدل بهذا الأثر على جوازه، بل في موضع تلك الجملة أهي في الأذان الأول أم الثاني؟، وبعد ثبوت الأثر بما ذكرته، فإن النظر قاض بأن تلك الجملة تزاد في الأذان الزائد، فيكون الزائد للزائد، ويبقى أذان صلاة الصبح على غرار أذان الصلوات الأخرى، ونصب الخلاف وإن مكن صاحبه من التفلت من الحق عند الناس؛ فإنه لا يبرئ الذمة عند خالق الناس، فنسأله تعالى أن يكتبنا في طلاب الحق، المذعنين له متى تبين.
ومما أذكره هنا أن الجهة المشرفة على المساجد في بلادنا قد أرسلت في سنة (١٤١٧ هـ) منشورا تأمر فيه أن تقال تلك الجملة في الأذان الأول، وكان مصحوبا بفتوى للشيخ عبد الرحمن الجيلالي ﵀، ومن بين ما اعتمده فيها حديث أبي محذورة المروي في المدونة، وقد تقدم، وبعد مدة عادوا عما قالوا، فجاء الأمر بالرجوع إلى ما كان عليه الأمر من قبل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وقوله «لا تقل ذلك في غير نداء الصبح»، لعل المؤلف يشير بهذا إلى التثويب المبتدع، وهو كل لفظ يزاد في الأذان، أو يقال بعده لدعوة الناس إلى الصلاة إذا استبطأهم، أو يلحق به، فإنه مخالفة للسنة، كمن يزيد في أذان الصبح:«أصبح ولله الحمد»، فضلا عمن يقول:«حي على خير العمل»، وأكبر من ذلك من يضم ذكر علي بن أبي طالب ﵁ إلى