للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفرغ لدراسة الفقه إنه ذهب يقرأ السنة يريدون بها علم الشرع فهذا موافق لما في الحديث.

لكن مذهب مالك تقديم الأفقه على الأقرإ، قال مالك فيما رواه عنه علي ابن زياد: «أحقهم أكبرهم سنا، وأعلمهم بسنة الصلاة»، وفي رواية ابن القاسم عنه: «إن أفقههم أحق من أقرئهم وأسنهم»، وعللوا ذلك بأن ما يحتاجه الإمام في الصلاة من القراءة محدود، بخلاف حاجته إلى الفقه والعلم، وتأولوا الحديث المتقدم بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه.

قال ابن حبيب: «ومعنى ما روي أن يؤم القوم أقرؤهم أن من سلف كانوا يجمعهم صلاح الحال والمعرفة، فكان حفظ القرآن مزيد فضل، ثم كثر في الناس حفظ حروفه، وتضييع العمل والعلم، فأحقهم اليوم أحسنهم حالا وأفضلهم معرفة بدينه» انتهى، وهذا كله في النوادر (الإمامة ومن هو أحق بها)، وما أحسن قول ابن حبيب هذا، وهو حق، لكن ما ذا نصنع وقد نص نبينا على تقديم الأقرإ في الإمامة؟.

ومما يدل على ما ذكر ما رواه مالك في الموطإ (٤١٨) عن ابن مسعود قال لإنسان: «إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة، يبدأون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان: قليل فقهاؤه، كثير قراؤه، تحفظ فيه حروف القرآن وتضع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون الصلاة، يبدأون فيه أعمالهم قبل أهوائهم»، ومراد عبد الله من كلامه هذا الذي يبدو أن له حكم الرفع؛ موازنة الرعيل الأول بين المصالح إذا تزاحمت، فيقدمون ما كان منها أكثر نفعا، فإن المصلحتين إذا تزاحمتا قدمت أكثرهما منفعة، وإذا تزاحمت المفسدتان قدم أقلهما ضررا، كما أنهم يحرصون على النافع ويجتنبون الضار، أما غيرهم فلا يوازنون، ومن ثم قد يقدمون الأقل نفعا على الأكثر، وقد يقعون فيما هو ضار أصلا، وقوله: «كثير فقهاؤه قليل قراؤه»، المراد القراء الذين لا فقه عندهم، بقرينة المقابلة.

قال الشيخ ابن عاشور «كأنه قال: «قليل أهل القراءة وحدها»، لكنهم مع قلة حفظهم وصفهم بأنهم يطيلون القراءة لكونها أنفع للناس، بخلاف من قابلهم بهم، فإنهم مع كثرة

<<  <  ج: ص:  >  >>