حفظهم لا ينفعون الناس بإطالة القراءة، بل يكثرون من كلامهم، وليس المراد من قوله تضيع حروفه؛ حقيقة التضييع، بل المقصود قلة حفظه المسبب عن الاشتغال بما هو أهم من الحفظ وحده، لا أن القلة نشأت عن عدم الاهتمام به، فهذه الصفات المتقابلة في الفريق المتأخر ليست مذمومة لذاتها، وإنما لكونها وقعت في مقابل ما هو خير منها، بخلاف السؤال والعطاء والبدء بالأعمال قبل الأهواء وما قابلهما فإنه مذموم لذاته، ومن لم يحرص على الأكثر نفعا، أوشك أن يقع في الضار محضا»، انتهى كلامه ﵀.
لكن مع هذا فالذي يظهر من الحديث خلاف ذلك، فقد جعل النبي ﷺ الأعلم بالسنة في الدرجة التالية بعد الأقرإ، وهذا نص لا احتمال فيه، ولأن التفاضل بالقرآن ظاهر منضبط بخلاف غيره، فقد يختلف فيه، وقد فاضل به النبي ﷺ في دفن أكثر من واحد في القبر، حيث أمر بتقديم أكثرهم قرآنا، ومن الأدلة على ذلك أيضا أن عمرو بن سلمة كان يؤم قومه وهو صبي بأمر النبي ﷺ، قال:«وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني فكنت أؤمهم،،،»، رواه البخاري، وأبو داود (٥٨٥)، ثم إن ما يقوله النبي ﷺ شريعة لأمته جمعاء لا اختصاص للصحابة به، حتى يقال إنهم كانوا يجمعون بين القراءة والفقه، أما تقديم أبي بكر الصديق ﵁ وفي الصحابة من هو أقرأ منه فلا يرد على هذا، لأن الأمر لا يعدو الأفضلية، ولأن ذلك التقديم من النبي ﷺ، وقد يكون فيه حكمة أو خصوصية وهي إعداده لخلافته، ولو ساغ اعتبار فعل النبي ﷺ المخالف لقوله الموجه إلى الأمة خاصا به؛ لكان هذا أولى أن يعتبر كذلك، ثم إنه يلزم من تقديم أبي بكر ﵁ لكونه أفقه أن يكون أقرأ على ما عللوا به، وهذا نقض، ثم إنه قد روى البخاري وأبو داود عن ابن عمر قال:«لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العَصبة، قبل مقدم النبي ﷺ، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا، وفيهم عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد»، وأين فقه عمر من فقه سالم، وكيف وهو المحدث إن كان في هذه الأمة محدث؟، ولم يكن ينقص عمر القرآن الذي تمضي به الصلاة.
ومن فقه سحنون ﵀ في المدونة أنه أثبت فيها رواية ابن وهب قال:«سمعت معاوية ابن صالح يذكر عن ابن المسيب أن النبي ﷺ قال: «فليؤمهم أفقههم»، قال: «فذلك أمير