سبق الكلام على شيء من هذا في باب الشفعة، ووعد المؤلف هناك باستيفاء الكلام عليه في الأقضية، وكلامه هناك كالمخالف لما هنا، فقد علمت أنه قال:«ولا يطيب الربح لغاصب المال حتى يرد رأس المال على ربه»، وظاهر كلامه هنا أن الغاصب ومثله السارق والخائن والمختلس وكل من لا شبهة له فيما اغتله يرد الغلة التي استوفاها من الذوات التي أخذها، إما يرد مثلها إن كانت مثلية معلومة الكم، كالأشجار التي يقطف ثمارها والأغنام يجز صوفها أو يستهلك ألبانها، فإن جهلت الكمية أو كانت مقومة رد القيمة كيفما كانت، وقد تقدم لك قول النبي ﷺ:«وليس لعرق ظالم حق»، ولأن أصل المال ليس له، فأشبه ذلك ما لو طالت الأشجار فإن أغصانها وثمارها للمالك، لكن أهل المذهب يجعلون الغلة ثلاثة أنواع لكل منها حكم: أولها غلة ما لا ينتفع به إلا بالاستعمال نحو الدواب والدور والأرض، فهذه لا يضمنها إلا باستعماله إياها، فلو عطل هذه المذكورات فلا تلزمه أجرتها في مدة استيلائه عليها، وثانيها غلة تنشأ من غير تحريك كثمر الشجر ولبن الأنعام وصوفها فهذه يردها من غير خلاف، وثالثها غلة هي ربح المال المغصوب، ومثله نماء البذر المغصوب بالنبات، فهذا لا يرد ما ترتب عليه قالوا لأنه مثلي فاللازم رد مثله، وفيه وجه آخر وهو أنه ناتج عن جهده وتحريكه.
وإن كان المغصوب والمسروق ونحوهما يحتاج إلى نفقة فإن الغاصب يرد من الغلة الزائدَ على ما أنفقه على المغصوب بشرط أن لا تتجاوز الغلة إلى الذات المغصوبة، فإن لم يكن للشيء المغصوب غلة ضاعت النفقة على الغاصب، ولا يرجع بها في المغصوب لأنه ظالم بأخذه، وقوله ولا يردها غير الغاصب يعني كالمشتري والوارث، والمتهب غير العالم بالغصب، ودليله قول النبي ﷺ:«الخراج بالضمان»، رواه أصحاب السنن عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- وحسنه الترمذي، وقد تقدم بيان معناه.