للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطعام لصاحبه: ليس عندي طعام فبعني الطعام الذي لك علي إلى أجل، فيقول صاحب الطعام: هذا لا يصلح لأنه قد نهى رسول الله عن بيع الطعام حتى يستوفى، فيقول الذي عليه الطعام لغريمه: «فبعني طعاما إلى أجل حتى أقضيكه»، فهذا لا يصلح، لأنه إنما يعطيه طعاما ثم يرده، فيصير الذهب الذي أعطاه ثمن الطعام الذي كان عليه، ويصير الطعام الذي أعطاه محللا فيما بينهما، ويكون ذلك إذا فعلاه بيع الطعام قبل أن يستوفى»، انتهى.

والجزاف بضم الجيم وفتحها وكسرها - وهو الأقوى - ما ليس مكيلا ولا موزونا ولا معدودا، ويغني عن ذكر حكمه مفهوم قيد المكيل والموزون والمعدود في كلامه، لكنه صرح به لزيادة البيان كعادته، فقوله بخلاف الجزاف، أي بخلاف ما بيع جزافا فيجوز بيعه قبل القبض على المشهور، لأن قبضه يكون بتمام العقد، وتخلية البائع بينه وبين مشتريه، بل اعتبر بعضهم النظر إليه قبضا، ولأن الاستيفاء المطلوب يكون بكيل المبيع أو وزنه أو عده، ولا شيء من ذلك في الجزاف، وسيأتي كلام المؤلف في بيان حكم بيع الجزاف مع ذكر شروطه.

وحيث علمت أن المنع من البيع قبل القبض يختص في المذهب بالطعام والإدام، ويختص الطعام بما كان مكيلا أو موزونا أو معدودا، فاعلم أنه قد جاء في الحديث ما يجعل كل السلع بمثابة الطعام، وقد تقدم قول ابن عباس : «ولا أحسب كل شيء إلا مثله»، يعني مثل الطعام في المنع، وهذا منه قياس مساو، وذهب بعض العلماء إلى أنه قياس أولوي باعتبار أن حاجة الناس إلى الطعام أشد من حاجتهم إلى غيره، فلو ساغ التساهل في القبض لكان الطعام هو الأولى بذلك، ومهما يكن فقد جاء ما يدل على النهي عن بيع غير الطعام قبل القبض، وهو حديث زيد بن ثابت قال: «نهى رسول الله أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم»، رواه أبو داود، وعن حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله إني أبتاع هذه البيوع فما يحل لي منها وما يحرم علي؟، قال: يا ابن أخي لا تبع شيئا حتى تقبضه»، رواه البيهقي، وعبد الله بن عصمة الذي في سنده احتج به النسائي، وبقية رجال إسناده على شرط الشيخين كما قال ابن القيم في تهذيب السنن، وإنما لم يأخذ أهل المذهب بحديث حكيم بن حزام لأنه لم يصح عندهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>