العربي في المسالك (٦/ ٢١) عنه: «إنه شرع محض، وتعبد صرف، لا يفهم المعنى فيه، ولا تعقل علته»، انتهى، وقيل إن المقصود تيسير الوصول إلى الطعام لحاجة الناس أغنيائهم وفقرائهم إليه، ولو بيع قبل قبضه لكان ذلك ذريعة إلى إخفائه، فيُشترى من مالكه خفية، فلا يتوصل إليه الفقير، وهذا مقارب، لكن على قول من لم يمنع بيع غير الطعام قبل قبضه، ومن المزايا في ذلك نفع الكيال والجمال، أي أنه جالب لعمل آخر ينتفع به الناس، وقيل في التعليل إن فيه منعا لأن يتكرر العقد على الشيء قبل أن يقبض، إذ يتوالى على المبيع الواحد ضمانان: فهو مضمون للمشتري الأول على البائع الأول، ومضمون للمشتري للثاني على البائع الثاني، فيكون مضمونا للشخص، مضمونا عليه في الوقت نفسه، وفي ذلك ما فيه من تكثير أسباب النزاع والاختلاف، وانظر المنتقى (٤/ ٢٨٢) للباجي، وضعف هاتين العلتين ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (٢/ ٢٨١)، وصوب التعليل بعدم تمام الاستيلاء، وعدم انقطاع علاقة البائع عنه، فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتريَ قد ربح فيه، ويغره الربح وتضيق عينه منه، وربما أفضى إلى التحيل على الفسخ ولو ظلما، وإلى الخصام والمعاداة، والواقع شاهد بهذا، قال وهذه العلة أقوى من تينك العلتين»، انتهى، قال كاتبه: وفي اشتراط القبض نفع للناس بجلب المبيع إلى المكان المحتاج إليه فيه، فإن الغرض من التجارة تيسير وصول السلع إلى الناس، وإذا بيع الطعام أو غيره قبل القبض وتكرر ذلك لم يتحقق الغرض، إذ يتداول السلعة مجموعة محدودة من الناس ويحتكرونها، ويجري هذا كثيرا عندنا في الأسواق، إذ يباع الشيء في السوق في يوم واحد مرات عدة قبل أن يصل إلى من يريد امتلاكه، فيرتفع ثمنه لهذا السبب، فالأصل في السلعة المرادة للتجارة أن تحاز إلى الرَّحْلِ قبل أن تباع كما جاء في حديث ابن عمر، وجاء النهي أن تباع السلع حيث تبتاع، ولذلك لا يسلم من شوب هذه المخالفة الذين يشترون من السوق ليبيعوا فيه، ولا يظهر أن هذه المخالفة تجتنب ببضعة أمتار تنقل السلعة إليها في السوق.
ومما يدخل في بيع الطعام قبل قبضه صورتان ذكرهما مالك في الموطإ (١٣٤٣) وهما إذا «اشترى طعاما بسعر معلوم إلى أجل مسمى، فلما حل الأجل قال الذي عليه