الهبة كل ما كان نحوها مما لا عوض فيه، وقد رجح هذا الشوكاني في نيل الأوطار (٥/ ٢٥٨)، ومن هذا ما رواه مالك (١٣٣٢) عن نافع أن حكيم بن حزام ابتاع طعاما أمر به عمر بن الخطاب للناس، فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فرده عليه، وقال:«لا تبع طعاما ابتعته حتى تستوفيه»، انتهى.
والمذهب كما علمت التفريق بين من اكتسب الطعام على غير معاوضة فلا بأس ببيعه قبل القبض، ومن ملكه بمعاوضة فلا يجوز له بيعه قبله، ويمكن تطبيق هذا على من أعطي له من شركته شيء على وجه الهبة كجهاز تبريد أو سيارة وسلم له بذلك صك فإنه يجوز له أن يبيعه قبل قبضه على المذهب لأنهم خصوا المنع بالطعام، أما لو أعطي له ذلك نطير عمله فإنه لا يجوز له بيعه حتى يقبضه، أما الذي يُسْلِمُ مالا في أسمنت مثلا ويعطى له سند بذلك فيبيعه قبل القبض فلا يجوز له إلا على وجه التولية، أعني التنازل عنه لغيره بثمنه.
والثالث تقييد المنع من بيع الطعام قبل القبض بما إذا كان مكيلا أو موزونا أو معدودا لأنه في معنى الموزون والمكيل، وهذا يخرج بيع الجزاف كما سيأتي، ودليله ما جاء عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال:«من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه»، رواه أحمد ورواه أبو داود والنسائي نحوه، وفي بعضها ذكر الاستيفاء بدل القبض، وفي صحيح مسلم عطف أحدهما على الآخر وهما أمر واحد، قال ابن عبد البر في الاستذكار (٣٧٢): «فالمعنى في ذلك سواء، لأن الاستيفاء بالكيل والوزن هو القبض لما يكال أو يوزن»، انتهى، وبهذا يعلم ما في كلام صاحب الفواكه الدواني (٢/ ١٢٥) إن هذا القيد من بيان المتفقهين، قال خليل: «وجاز البيع قبل القبض إلا مطلق طعام المعاوضة ولو كرزق قاض انتهى.
ولا فرق بين أن يكون المتبايعان مسلمين، أو أحدهما مسلما والآخر كافرا، فلو كانا كافرين فالأولى أن لا يشتري المسلم ممن لم يقبض، وانظر حاشية الشيخ علي الصعيدي (٢/ ٤٧٦)، فهذا عن حكم بيع الطعام قبل قبضه.
وقد علل النهي عن بيع الطعام قبل قبضه بأنه تعبدي، وهو مستبعد، وإن قال ابن