وقد جاء في منع بيع الماء ومنع الناس منه ما ينبغي أن يكون عبرة للعالمين في هذا العصر الذي عم فيه بيعه، فمن ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال:«ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم: رجل يحلف على سلعة لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف يمينا بعد العصر ليقتطع به مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك»، ومن ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال:«من منع فضل مائه أو فضل كلإه منعه الله من فضله يوم القيامة»، رواه أحمد، ومنه حديث جابر عند مسلم والنسائي وابن ماجة (٢٤٧٧) قال: «نهى رسول الله ﷺ عن بيع فضل الماء»، ولم يعزه في مسالك الدلالة لمسلم، وعن أبي المنهال قال: سمعت إياس بن عَبْدٍ المُزَنِي - ورأى ناسا يبيعون الماء - فقال:«لا تبيعوا الماء، فإني سمعت رسول الله ﷺ نهى أن يباع الماء»، رواه الأربعة واستثنى في مسالك الدلالة ابن ماجة مع أنه عنده، وروى أبو داود (٣٧٤٤) عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي ﷺ قال: غزوت مع النبي ﷺ ثلاثا أسمعه يقول: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلإ والماء والنار».
قال الخطابي:«معناه الكلأ الذي يَنْبُتُ في موات الأرض، يرعاه الناس، ليس لأحد أن يختص به دون أحد، أو يحجره عن غيره، وأما الكلأ إذا كان في أرض مملوكة لمالك بعينه فهو مال له ليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه»، انتهى، وقد نازع بعض أهل العلم في هذا فذهبوا إلى ظاهره وقالوا إن هذه الأمور الثلاثة لا تملك، ولا يصح بيعها مطلقا، وإن كان المشهور بين العلماء فيها هو أن المراد ما لم يحز منها بملك، وقال الشوكاني في نيل الأوطار:«اعلم أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقا، ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها لا بما هو أعم منها مطلقا كالأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه، لأنها مع كونها أعم إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت المال وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع»، انتهى، ومراده بثبوت المال مشروعية تملك الشخص لهذه الأمور الثلاثة كغيرها مما يتملك، والمذهب كما علمت حمل الأحاديث على ما كان من الآبار في الفلاة لأنها مباحة لكل الناس.