للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا، وهي التي نفاها كتاب الله مطلقا، أو نفاها إلا بإذن الله.

وقال ابن تيمية عن هذه الآية: «فهذه الأربعة هي التي يمكن أن يكون لهم بها تعلق، الأول: ملك شيء ولو قل، الثاني شركهم في شيء من الملك، فلا ملك وشركة ولا معاونة يصير بها ندا، فإذا انتفت الثلاثة بقيت الشفاعة فعلقها بالمشيئة» (١)، انتهى.

واعلم أن نفي هذه الأمور السبعة التي ذكرها المؤلف عن الله تعالى يتضمن نسبة كمال ضد كل منها له ﷿، وهكذا كل ما ينفى عنه سبحانه، فإن نفي الشبيه عنه والنظير؛ يعني تفرده بصفات الكمال، ونفي الشريك؛ يعني كمال قيوميته على خلقه وكمال قدرته، فلا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، ونفي الوالد والولد والصاحبة؛ يعني أن وجوده تعالى لذاته، غير متوقف على غيره، وأنه غير محتاج إلى سواه من الولد والصاحبة لتكميله كما هو شأن خلقه، فإن الزوجية شأن المخلوقات، قال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)[الذاريات: ٤٩]، أما الله سبحانه فوتر يحب الوتر.

والنفي الصرف لا مدح فيه، ولذلك كان من طريقة أهل الحق اتباعا منهم للكتاب والسنة النفي المجمل، والإثبات المفصل، عكس طريقة أهل الكلام المغرقين في النفي، كقولهم إن الله تعالى ليس بجسم، ولا عرض، ولا شبح، ولا صورة، ولا لحم، ولا دم، ولا جوهر … الخ، فهؤلا المغرقون في النفي يعبدون عدما، ويقابلهم المشبهون الذين يعبدون صنما.

قال ابن أبي العز : «وهذا النفي مع أنه لا مدح فيه، فيه إساءة أدب، فإنك لو قلت للسلطان: أنت لست بزبال ولا كساح ولا حجام ولا حائك لأدبك على هذا الوصف وإن كنت صادقا، وإنما تكون مادحا إذا أجملت، فقلت: أنت لست مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجل، فإذا أجملت في النفي أجملت في الأدب» (٢)، انتهى.


(١) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية» (١/ ١١٤).
(٢) «شرح العقيدة الطحاوية» (ص ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>