هذا العصر من وسائل الاتصال، التي قرب الله بها البعيد، ويسر بها العسير، فَلِمَ تُجْعَلُ عَوْنًا لِنَشْرِ ما يُظَنُّ مثالب، والتشهير بالمخالف، ووجدت لها محاضن في بعض المواقع التي تلقى فيها نفايات النفوس، وأمراض القلوب، ويُنشر فيها هذا العفن الأخلاقي، ويتضح فيها الجهل العريض بمنهج السلف من أدعيائه وبعض أوصيائه، إن هذا الذي أشرت إلى بعضه لدليل على أن المتهوكين فيه أبعد الناس عن معنى حديث النصيحة الذي قد يكتب بعضهم له شرحا، أو يقدم فيه درسا، أو ينمق فيه خطبة، أو يذكر له تخريجا، ما فائدة
ذلك والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل؟، مما يخشى أن يقال لكثير ممن يفعل ذلك يوم القيامة: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر، إن مرض النفوس وظلام القلوب، والتهافت على المكانة المزعومة، والمنزلة الموهومة، والزعامة البائسة، هو الذي أعمي بعض البصائر، وإن لم تعم الأبصار، فصار كثير منهم يقولون ما لا يفعلون، وقد يفعلون ما لا يؤمرون، أفلا تتقون يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون؟.
والنصيحة كما ترى يبتدئ المسلم أخاه بها، أما إن طلب نصحه فإن الأمر يكون أوكد، وينبغي أن تكون نصيحة المسلم لأخيه سرا قال الفضيل بن عياض:«المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير»، وإذا كان هذا مع عامة الناس فكيف بالسلطان؟، سئل ابن عباس عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر، فقال:«إن كنت فاعلا ولا بد ففيما بينك وبينه»، قلت: هذا هو الأصل متى كان ذلك ممكنا كما كان عليه الأمر في العصور المفضلة، فإذا اختلف الوضع كما عليه أمر المسلمين اليوم فقد جد من الوسائل ما ينبغي استعماله لتحقيق هذا المطلب الذي يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز أن يتحول موقف الحريصين على سد أبواب الفتنة - وأخوكم منهم - إلى النقيض، وهو السكوت المطبق فلا أمر ولا نهي ولا نصح للحاكم، ولا كلام على ما يجري من المنكرات تحت هذا الزعم، فالحاكم يسكت على اجتهاده، وينصح في السر متى أسر المنكر، فإذا أعلن به وصار عاما فاشيا تعين نصحه سرا إن أمكن وإلا ففي العلن.
وكما تجب موالاة المؤمنين يجب البراء من الكافرين، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ