الأصل أن يدفن الناس غير الأنبياء في المقابر، هكذا كان شأن المسلمين، لم يتميز الصالحون منهم وكبراؤهم بأن يدفنوا في دورهم، ولا في أماكن خاصة، ولا في المساجد، وقد كان بإمكان أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن تدفن في بيتها إلى جوار النبي ﷺ، لكنها أمرت أن تدفن مع أزواجه بالبقيع، ومن شؤم ذلك أن يفوت على الموتى الذين يدفنون في أماكن خاصة ترحم زائريهم عليهم والاستغفار لهم، والاعتبار بهم، وأن يتسبب ذلك في منكرات لا تخفى على أحد من شد الرحال إليهم، والطواف بضرائحهم، ونقل تربتهم، واتخاذ قبورهم مساجد، وبطلان الصلاة في الأماكن التي دفنوا فيها، وهو الحق متى كانت القبور في المصلى.
وقد استجاب الله تعالى دعاء نبيه ﷺ فدفن في بيت زوجه عائشة ﵁، إذ الأنبياء يدفنون حيث قبضوا، فكان ذلك من خصائصه، ودفن معه صاحباه تبعا له، ولو دفن كما يدفن الناس في المقابر لأبرز قبره كما قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها-، ومنع الله بذلك أن يتخذ قبره وثنا، وصرف به فتنة عظيمة عن الناس، وهل تظن أنهم ينركون قبره من غير بناء لو لم يكن في بيت عائشة؟ ثم امتد المسجد ليشمل البيت، وهو من فعل الناس على كل حال؟، لا أرى أن قبره يبقى بغير بناء، وإلا لنبش وأخذ جسده، فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، ولا يخفى عليك أمر العواطف، وإذا وجد البناء فما يكون الحال؟، يكون مخالفة لدينه الذي قضى أن لا يبنى على القبور، ولحصل من المساوئ والمخالفات حول ذلك البناء ما الله به عليم، وهل يستبعد أن يقتتل المسلمون على قبره، وأن يتجدد ذلك بين الحين والحين، كيف ومعظمهم لا يضبطون عواطفهم بالشرع؟، أو لم تعلم بهذه المظاهرات التي مات فيها تسعة منهم في بلد واحد هو ليبيا بعد الذي نشرته تلك الصحيفة الدانماركية من الرسوم التي رامت بها الإساءة إلى نبيِّنا محمد ﷺ، وهل يضر السماء نباح الكلاب؟، فهاجت عواطف