جماهير المسلمين، وتحرك ما كان مستكنا في الصدور، لكن المسلمين لو فقهوا لعلموا أن خير ما يردون به على ذلك هو التمسك بدينهم، واتياع نبيهم ﷺ، أما غير ذلك فلا نفع فيه، وهو ما يريده الكفار، وها هي ذي صحيفة سويدية قد صنعت ما صنعت الصحيحفة الدانماركية، فما فعل المسلمون شيئا، وإني لأعجب من دولة تونس تمنع النساء من تغطية رؤوسهن، والرجال من إعفاء لحاهم، وتلزم المصلين بمساجد لا يبرحونها إلى غيرها إلا ببطاقة، والمخالفات طويلة، ثم تحتج لدى الدانمارك على تلك الفعلة، والأمر ليس عندنا بالجديد، ففي كتاب ربنا ذكر لما كان يستنقص به المشركون نبينا ﷺ، وهم المفترون الكاذبون، وأرشد الله ﷾ نبيه إلى ما يدفع به ضيق الصدر، وهو الدوام على طاعته، والثبات على دينه، قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحِجر: ٩٧ - ٩٩].
ولنعد إلى ما كنا فيه، فذلك خير لنا من البكاء، وذلك أن دفنه ﷺ في بيت عائشة على النحو الذي بينته، فيه من المصالح ودفع المفاسد ما لا يخفى، وقد تقدم ما رواه مالك في الموطإ (٤١٤) مرسلا عن عطاء بن يسار أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وهو في مسند أحمد موصولا صحيحا، لكن القبوريين لا يفتأون يعترضون بوجود قبره ﷺ في بيته وامتداد المسجد ليشمله؛ على خلاف شرعه، ويستدلون بذلك على رد محكمات نصوص حديثه، وهي قاضية بحرمة الدفن في المساجد، واتخاذها قبورا، ذلك بأنهم قوم لا يفقهون، ولا عجب في هذا، فإن الله تعالى قال: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: ٤١].
أما السقط: فهو من خرج من بطن أمه قبل تمام خلقه، وعلة كراهة دفنه في الدار إما خوف أن يباع معها، أو خوف أن ينبشه مشتريها، هكذا قالوا، وقد فيل إن دفنه فيها عيب، وهذا صواب، لكراهة النفوس ذلك، وقيل ليس بعيب، وإذا كان هذا حكم دفن السقط فغيره أولى، وقد ورد في الأنبياء أنهم يدفنون حيث يقبضون، فيكون غيرهم بخلافهم.