تقدّم الكلام على النفخ في الطعام والشراب، وقد قالوا إن النفخ في الطعام أشد، لأن الماء يدفع عن نفسه، ولا فرق بين ما كان من الطعام حارا وغيره فلا يشرع النفخ فيه لتبريده إن كان حارا أو لتسخينه إن كان باردا، فليعتمد على غير هذه الوسيلة للوصول إلى المبتغى في الحالين، كما تقدم في القذاة إذ قال النبي ﷺ فليرقها».
ومن السنّة أن يترك الطعام الحار حتى بذهب فوره، فقد روى الدارمي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره ثم تقول: إنى سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنه أعظم للبركة».
أما النفخ في الكتاب فلا فرق بين كتاب العلم وما يكتبه المرء من المراسلات لغيره، وترك النفخ في كتب العلم المقصود منه أن لا يبزق أو ينفث على إصبعه ليتمكن من قلب الورقة إذ تلتصق بالأخرى فلا تنفصل عنها إلا بذلك، فهذا إن حصل فيه إفساد لورق الكتاب إذا توالى ذلك عليه، وقد يؤدي إلى تلويثه، ومحو بعض ما فيه، ولا ريب إن لكتب العلم حرمة تنافي هذا الصنيع، فإن كان قرآنا فالمفسدة أعظم.
أما المراسلات فما أدري ما وجه النفخ فيها حتى ينهى عنه؟، ولعل المقصود هو مقابل ما جاء من الأمر بتتريب الكتاب كما في سنن الترمذي عن جابر قال، قال رسول الله ﷺ:«إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه، فإنه أنجح للحاجة»، قال الترمذي منكر، والتتريب أن يجعل التراب على الشيء، ومنه ترب وجهك، أي صل على التراب، لكن اختلف في معنى التتريب في الحديث على فرض ثبوته، فقيل هو كناية عما ينبغي أن يكون عليه كاتبه من المبالغة في التواضع في مخاطبة المرسل إليه، وقيل معناه أن يجفف المداد بالتراب لئلا تنطمس الحروف، وهذا هو الصحيح، فيحمل النهي الذي في كلام المؤلف عن النفخ في المراسلات على تجفيفها بالنفخ، أما ما قاله بعضهم من أنه قد شاع: «ما خاب كتاب