للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكر الأبهري بهذه البيات:

تأبى قلوب قلوب قوم … وما لها عندها ذنوب

وتصطفي أنفس نفوسا … وما لها عندها نصيب

ما ذاك إلا لمضمرات … أضمرها الشاهد الرقيب

فهذا الميل من ابن أبي زيد إلى كراهية الجدال، ومقته الابتداع مع تحذيره منه، واستهلاله كتابه بالتوحيد، وعنايته بعمل القلوب؛ طبع رسالته بطابع خاص مميز، فخلت في الغالب من الآراء، والافتراضات، ومال فيها أكثر إلى الجوانب العملية في بيان الأحكام، وهو وإن ذكر تلك الأحكام غالبا مجردة من أدلتها لكونها موجهة في الأصل إلى الولدان؛ إلا أن العلماء رجعوا بتلك الأحكام إلى أصولها من الكتاب والسنة كما سترى عند ذكر بعض من شرحها، وستقف على ذلك أيضا إن شاء الله في أثناء شرحها.

[٩ - الإخلاص والأدب والسلوك وغيرها]

اشتملت رسالة ابن أبي زيد على أبواب لا تذكر عادة في المصنفات الفقهية وذكر فيها الإخلاص في الأعمال، والتوبة من الذنوب، والتقلل من الدنيا، وذكر الموت، وشيئا من أحكام الأكل والشرب واللباس والسلام والاستئذان وغض البصر، والأذكار وتعبير الرؤيا والتعالج وغيرها، وذكر الأحاديث التي يدور عليها الدين.

قال النفراوي : «وإنما ذكر المؤلف هذه الآداب في هذا الباب حثا للطالب أن يتخلق بها، لأن من تخلق بها صار من أكابر الصوفية الذين جردوا قلوبهم لله تعالى، واستحقروا جميع ما سواه، إلى أن قال: «ف لم يدع شيئا مما يطلب من المكلف فعله إلا نبه عليه»، انتهى، وأقول إن من تفقه في دين الله وعمل بذلك وأخلص كان من عباد الله الصالحين، فإن دعا بعلمه وعمله إلى ما علم وجاهد كان من الشهداء لدين الله بالحق، وقد ذكر الله أصناف عباده في قوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)[النساء: ٦٩]، فما كان من أعمال التصوف حقا فقد جعل الشرع له اسما كما علمت وما كان منه مخالفا فليرم في الحش.

<<  <  ج: ص:  >  >>