الكفار، ومشروعية قتلهم، فقتال الكفار مشروع لكفرهم مع كونهم ليسوا معاهدين ولا أهل ذمة، أما قتلهم فليس لكفرهم بل لحربهم وظلمهم وعدوانهم وتسلطهم، وقد جاء من الأدلة ما يؤخذ منه أن هذه الأمور ملازمة للكافر إلا في حال ضعفه، قال الله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)﴾ [البقرة: ٢٥٤]، لكن ظلمه في حال ضعفه قاصر، وفي حال قوته متعد، أو قل إن الكفر نوعان مغلظ ومخفف، فغير المعاهد والذمي كفره مغلظ والمرتد من هذا القبيل، بل أمره أعظم، ولذلك لا يقبل منه غير الإسلام، ولو كان الكافر إنما يقتل لأجل كفره؛ لكان الرهبان أولى بذلك من غيرهم لأنهم متبوعون، وغيرهم تابعون، وقد نص النبي ﷺ على علة قتل الكافر حيث قال عن المرأة التي وجدت مقتولة:«ما كانت هذه لتقاتل»، ويدل على التلازم بين الكفر والظلم إلا في حالة الضعف وسيطرة سلطان الإسلام أن الله تعالى أخبرنا عن ذلك وهو أصدق القائلين فقال: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (٢١٧)﴾ [البقرة: ٢١٧]، وما ورد عن بعض السلف من كون المقصودين بهذا هم كفار قريش؛ لا يمنع من استمرار الحكم لاتحاد العلة وهي الكفر، وإنما قال سبحانه: ﴿إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾؛ لأن رجوع المسلم الذي خالطت بشاشة الإيمان قلبه عن دينه مستبعد، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (١٢٠)﴾ [البقرة: ١٢٠]، وهذا وإن كان خطابا لنبينا محمد ﷺ؛ فأمته مثله، بل هم أولى، بل هم المقصودون لأنه معصوم، ونفي الرضا من الكفار عنا يستلزم إنفاذهم لمقتضى غضبهم علينا عند القدرة عليه، ولهذا أخبر الله تعالى أنه «متم نوره ولو كره الكافرون»، فذكر الكره، لأن من كره شيئا سعى غالبا في دفعه ورده، وقال تعالى: ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (١١٨)﴾ [آل عمران: ١١٨]، فربنا ﷾ قد أيسنا من رضا الكفار عنا حتى نتبع ملتهم، وأنبأنا أنهم غير تاركين قتالنا ما قدروا عليه حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا، فظهر جليا أن الحرب بيننا وبينهم لا تنتهي، فيكون الجهاد فرض كفاية علينا تجاه كل الكفار الذين لم يدفعوا الجزية ولا كانوا معنا في هدنة ومعاهدة، ولولم يصدر عنهم اعتداء فعلي علينا، لكن هل معنى ذلك أنه يمتنع دوام مهادنتهم؟، والجواب أن القول بفرض جهاد الطلب يستلزم عدم دوام المهادنة، لكنه لا يستلزم عدم المهادنة المطلقة،