وإنما جاز له الأكل منها؛ لأن عليه بدلها، فلا يتهم على عطبها، والرابع هو هدي التطوع إذا بلغ محله، ودم التمتع، والقران، وهدي فساد الحج والعمرة، ودم الجبران، أعني الذي يذبحه جبرا لنقص في حجته أو عمرته، كتجاوز الميقات دون إحرام، أو ترك واجب، وبين بقوله «إن شاء»؛ أن الأصل في الهدي عدم الأكل، كذا قالوا.
واعلم أنه قد دل الدليل على مشروعية الأكل من الهدي عموما بقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨]، ولا يضير هذا العموم ما ورد أنها نزلت لإبطال ما كان عليه العرب من عدم الأكل من الهدي، لأن العبرة بعموم اللفظ، كما دل الدليل على مشروعية الأكل من هدي التمتع والقران بفعل النبي ﷺ، وما قاله أهل المذهب من التفصيل قوي في النظر، ولكن قياس الهدي على الكفارة المنصوص على عدد المساكين فيها؛ فيه شيء، وكون جزاء الصيد بدله إطعام عدد من المساكين يعدل قيمة الحيوان؛ لا يدل بمجرده على منع الأكل منه كما يمتنع من الطعام، لأن الذبح نفسه قربة بخلاف الطعام، فإنه إنما يصير قربة بتقديمه للمسكين، فالقول بأن البدل يعطى حكم المبدل قد لا يطرد وقد لا يلتزمه من قال به، فما لم يأت دليل يمنع من الأكل فالأصل الجواز، نعم ما نذره المسلم للمساكين يتجه المنع منه، بخلاف ما إذا نذر مجرد الذبح لله تعالى، وقد عثرت في السيل الجرار على كلام للشوكاني بهذا المعنى، فانظره في (٢/ ٢٣٩).