وتناول كسبه، وما ليس كذلك مما فيه الخير والمصلحة له، والخذلان ضد الوفيق، وقالوا: إن التوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك، والخذلان أن يخلي بينك وبينها، وقد علم النبي ﷺ بنته فاطمة دعاء تقوله إذا أصبحت وإذا أمست وهو «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث، وأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين»(١).
وقد خالف في مسألة الهداية والإضلال القدرية، قال القاضي عبد الوهاب في شرحه:«وزعمت القدرية أن الله تعالى لا يضل أحدا، وأنه قد هدى الخلق كلهم، فمنهم من اهتدى، ومنهم من لم يهتد، وضل باختياره وعدوله عن طرق الهداية وسوء اختياره لنفسه، لا أن الله أضله، لأن الله تعالى لو فعل ذلك لكان جائرا في حكمه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا».
وبعد أن أورد من النصوص الكثير الطيب الذي يدل على مذهب أهل الحق في المسألة، قال: «وقد زعموا عند ضيق عطنهم بذلك وحيرتهم بورود هذه النصوص أن لا معنى للهداية والإضلال من الله تعالى أكثر من الحكم والتسمية بذلك فقط، وأن ذلك جار مجرى قول الناس قد عَدَّلَ فلان فلانا، إذا زكاه وسماه عدلا، وقد فَسَّقّه إذا سماه فاسقا، وحكم بفسقه، وليس ذلك على تأويل أنه جعل له فسقا وعدلا، ولا أنه صيره كذلك، وهذا مع أنه خلاف إجماع الأمة، وأن ظواهر القرآن ترده وتنافيه واضح البطلان والفساد، من قبل أنه يوجب أن لا يكون لله من المنة على عباده في الهداية إلا ما لبعضهم على بعض، لمشاركتهم له في معنى الهداية، لأن بعضهم يسمي بعضا بالهداية ويصفه بها ويضيفها إليه، وهذا خلاف التنزيل، وما أجمع عليه المسلمون.
أما التنزيل فإن الله تعالى قال: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)﴾ [الحجرات: ١٧]، فامتن عليهم كما ترى بهدايته لهم، ولو كان ذلك معنى الحكم والتسمية لكان الرسول مشاركا لله في هذه المنة، ولكان بعضهم قد من على بعض بها، كما أن الله قد دعاهم إليها.