وقد روى عبد الرزاق عن عبد الرحمن بن أبزى قال: كنت أمشي مع علي في جنازة وهو آخذ بيدي وهو يمشي خلفها، وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها، فقلت له في ذلك، فقال: إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها؛ كفضل صلاة المكتوبة على صلاة النافلة، وإنهما ليعلمان ذلك، ولكنهما يسهلان على الناس»، فهذا فيه بيان الداعي لفعل الصاحبين، فإنهما لما علما جواز ذلك فعلاه تيسيرا على الناس، وبين علي الأفضل، ف ﵃ جميعا.
فإن قلت: لم لم يتعرض المؤلف لبيان مكان المشيع من الجنازة؟. قلت: لعله سكت عنه لما علمت من الخلاف فيه، وقد قال في النوادر بعد أن ذكر قول ابن شهاب الذي في الموطإ:«والمشي خلفها من خطإ السنة»؛ قال:«وروي عن علي ابن أبي طالب أن المشي خلفها أفضل، وأراه واسعا للاختلاف»، وبهذا يتبين لك أن ما حكاه الباجي في المنتقى من الإجماع السكوتي على المشي أمام الجنازة بعيد عن الصواب، والله أعلم.
قال مطرف قال مالك:«ولم يزل شأن الناس الازدحام على حمل جنازة الرجل الصالح ولقد انكسر تحت سالم بن عبد الله نعشان، وكسر تحت عائشة ثلاثة أنعش، وذلك حسن ما لم يكن فيه أذى»، وفي كتاب ابن القرطي أن الركاب يمشون خلفها كما في النوادر.
قال ابن حبيب:«ولا يمشى بالجنازة الهوينا، ولكن مشية الرجل الشاب في حاجته»، انتهى، وهو في النوادر (وجه العمل في حمل الميت)، والهوينا تصغير الهونى، والمراد مشية فيها بطء وتثاقل، وهي مشية الكفار يفعلون ذلك بكبرائهم وزعمائهم إذ يشيعونهم في السيارات، وقد قلدهم في ذلك كثبر من المسلمين، لكن الذي نراه من الإسراع في السير ليس مشروعا، إذ لا يكاد معظم الناس يسيرون مع الجنازة، فالمراد بالإسراع هو ما فوق المشي المعتاد.