وصفات الرب) مبينا سبب لجوئه إلى الكتابة في التوحيد، وهو منعه من الظهور والتعليم المباشر للناس، يقول:«فقد أتى علينا برهة من الدهر وأنا كاره للاشتغال بتصنيف شيء مما يشوبه شيء من جنس الكلام من الكتب، وكان أكثر شغلنا بتصنيف كتب الفقه التي هي خلو من الكلام في الأقدار الماضية، التي كفر بها كثير من منتحلي الإسلام، وفي صفات الرب ﷿ التي نفاها ولم يؤمن بها المعطلون، وغير ذلك من الكتب التي ليست من كتب الفقه، وكنت أحسب أن ما يجري مني بين المناظرين من أهل الأهواء في جنس الكلام في مجالسنا، ويظهر لأصحابه الذين يحضرون المجالس والمناظرة من إظهار حقنا على باطل مخالفينا في المناظرة كاف عن تصنيف الكتب على صحة مذهبنا وبطلان مذاهب القوم، وغنية عن الإكتاب في ذلك، فلما حدث في أمرنا ما حدث، مما كان الله قد قضاه وقدر كونه، مما لا محيص لأحد ولا موئل عما قضى الله كونه،،، فمُنعنا من الظهور ونشر العلم وتعليم مقتبسي العلم مما كان الله قد أودعنا من هذه الصناعة ما كنت أسمع من بعض أحداث طلاب العلم والحديث ممن لعله كان يحضر مجالس أهل الزيغ والضلالة من الجهمية المعطلة، والقدرية المعتزلة ما تخوفت أن يميل بعضهم عن الحق والصواب»،،، الخ.
ويمكن أن نعتبر ابن أبي زيد قد جمع في رسالته هذه إلى حد ما بين هذه الأمور الثلاثة، العقائد والفقه والتزكية، فما فيها من الفقه مدعم بالنصوص، ولم تخل رسالته من الاهتمام بأعمال القلوب، وسيأتي الكلام على هذين الأمرين، والذي يعنينا هنا أنه استهلها ب (باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات)، أورد فيه عقيدة أهل السنة والجماعة خالصة صافية نقية، وما فيها إنما هو منتزع من القرآن والسنة بلفظه أو معناه، مبتعدا عن اصطلاحات المتكلمين والمتفلسفين، وإن كان بعض الشراح قد حملها ما لم يرده صاحبها، ومن جملة كتبه التي تشير إلى هذا المنهج كتابه الاقتداء بأهل السنة.
وقد أشار إلى هذا القسم في آخر كتابه وجعله قسما مستقلا؛ إذ قال:«وفيه ما يؤدي الجاهل إلى علم ما يعتقده من دينه، ويعمل به في فرائضه، ويفهم كثيرا من أصول الفقه وفنونه، ومن السنن والرغائب والآداب».