والمسافر يقبل دعاؤه، وهو أشعث أغبر، وذلك مظنة الضعف والانكسار، والضعيف المنكسر القلب أقرب إلى الإجابة، وفي الحديث:«ابغوني الضعفاء فإنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم»، لكن هذا الداعي استبعد قبول دعائه، وإنما ذكر حالة اجتماع الحرام على الأكل والشرب واللباس والتغذية لكونها أحاطت بكل شيء، ولا يعني ذلك أن يكون الحرام في بعضها يقبل معه الدعاء، وأكد خطورة الطعام لأنه الذي به يتحرك الجسم، وينطق اللسان، وترتفع اليدان، وقد خص بالذكر فيما روي من قوله ﷺ:«أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة»، ولهذا ذكر حرمة المطعم وأردفه بالتغذية وهي من جملته، ولعل المقصود بيان أن الطعام الذي هو حديث عهد به حرام كذلك، فكان ذلك أدعى إلى أن لا تقبل دعوته.
وقال أيضا:«إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟، قال: غشه وظلمه، ولا يكسب عبد مالا من حرام فينفقه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيء بالسيء، ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث»، رواه أحمد والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود ﵁، ووافقه الذهبي، والبوائق واحدتها بائقة وقد فسرها النبي ﷺ، وهي في اللغة الغوائل والشرور.