والأول: هو الذي أنزل الله من أجله الكتب، وأرسل الرسل ليزيل الأعذار عن خلقه، وما من نبي إلا وجاء به قبل غيره، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)﴾ [الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وهو الذي خلق الله له الجن والإنس كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾ [الذاريات: ٥٦]، أي يوحدون، وهذا التوحيد هو توحيد الله بفعل العبد الذي هو عبادته دون سواه، ويناقضه الشرك في الألوهية أو العبودية، بأن يعبد مع الله غيره أيا كان المعبود، نبيا من الأنبياء أو صالحا أو غير ذلك بأن يدعوه أو يستغيث به، وهذا الشرك كثير في الأمة.
ولما كانت مشاغل الحياة تصد المرء عما خلق له جمع الله مع هذا الذي خلق الخلق له ضمانه الرزق لعباده فقال: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)﴾ [الذاريات: ٥٧ - ٥٨]، كما جمع بينهما في سورة طه، وسورة النور، وسورة الجمعة.
والثاني: توحيد الربوبية، وهو توحيد الله بفعله، أي اعتقاد كونه هو الرب، الخالق، الرازق، المحيي، المميت، الضار، النافع، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ويناقضه الشرك في الربوبية كأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر، أو مدبرا غير الله للكون، أو من يحلل أو يحرم غيره سبحانه، ونحو ذلك مما هو خاص بالله.
والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ من غير تأويل، ولا تعطيل، ولا تمثيل، ولا تكييف، ويناقضه أن يوصف أحد من الخلق بما هو خاص بالله تعالى كعلم الغيب مثلا، أو يشبه الله تعالى بشيء من خلقه، ويخرمه بل يناقضه أن تؤول صفاته أو بعضها طلبا للتنزيه، وإن تفاوت الناس فيه.
ولكون توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية كثر في القرآن الاحتجاج به على المشركين، ولا سيما في السور المكية، ومن أجمع الآيات في ذلك قوله تعالى ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ