قاضي الشيعة الآتي ذكره - وهذا غير أبي حنيفة النعمان بن ثابت الإمام المعروف -رحمه الله تعالى- وهو من أهل السنة - على خلاف شديد مع ابن مسرور هذا، حتى قيل إنه مر به يوما فقال: السلام عليك يا أبا محمد، فقال:«حسبنا الله ونعم الوكيل»، وكرر عليه، فرد مثله، وجرى بينهما كلام أذعن في نهايته القاضي الشيعي لابن مسرور.
فالذي يتجه أن يقال إن ابن أبي زيد وقد عاين وسمع بما جرى لشيوخه وغيرهم من العلماء آثر خدمة نهج السنة والجماعة خدمة علمية هادئة عن طريق التعليم والفتاوي والتأليف، وليس ذلك بقليل، وما تعرض له من حملة قادها بعض المنسوبين للعلم منبئ بما قلت، فخدمة الحق بالطريقة التي اختارها كانت أجدى من المقاومة العلنية التي كثيرا ما تنتهي إلى الانقطاع، والاستمرار في الدعوة إلى الحق بهدوء وطول نفس أفضل بكثير من الطفرات والصيحات.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى تعليل افتتاحه الرسالة بالحديث عن العقيدة بمقاومة هذه النزغات التي كانت تجتاح المنطقة، وكذلك تأليفه كتاب الجامع الملحق باختصار المدونة، ولا مانع أن يكون من جملة الأسباب أنه كان في هذا الزمن ما يزال تلميذا لم يشتهر كما اشتهر شيوخه، الذين كانت مكانتهم العلمية من جملة دواعي ما لحقهم من أذى، حتى إذا أدرك آثر ذلك النهج على غيره.
لقد عاصر ابن أبي زيد شخصية علمية عند الشيعة الإسماعيلية، هو القاضي أبو حنيفة النعمان مؤلف كتاب (دعائم الإسلام)، المتوفى سنة (٣٦٣)، وقد تحدث في بدايته عن عقيدة الشيعة كما صنع ابن أبي زيد بحديثه عن عقيدة أهل السنة والجماعة في كتابيه الرسالة والجامع، كان هذا الرجل من كبار رجال الدولة العبيدية، وقد استفاد من تجاربه وعيشه في هذا الوسط السني، فاصطنع نوعا من العقلانية في عرض مذهبه في ذلك التأليف، إذ اجتهد في تجريده ما أمكن من مسحته الباطنية، وطبعه بطابع (الاعتدال)، حتى يقربه من الناس، معتمدا على مبدإ التقية عند هؤلاء القوم، وإذا قرأت حديثه مع ابن مسرور في المدارك أيقنت بهذا النهج عنده، فلعل بعض تآليف ابن أبي زيد وهي مسهلة ميسرة إنما كانت نوعا من الرد والدفع في وجه مثل هذا الرجل وغيره من ذوي النزعة الخارجية، وسائر