فتعطف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله، فيزدادوا له شكرا»، انتهى
وقد بيّن الله تعالى حكمة افتراضه الصيام على عباده بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ومرجع الخيرات كلها إلى تقوى الله، ومن أفرادها أن الصوم وقاية من المعاصي، كما قال النبي ﷺ:«الصوم جنة» رواه مسلم عن أبي هريرة، إذ حرم الله فيه مؤقتا ما به قوام حياة الصائم من المباحات، فيكون في ذلك تعويد له على ترك المحرمات من باب أولى في رمضان وغيره، وهذا ملحوظ في غير الصوم كالصلاة والاعتكاف والحج والعمرة.
ورمضان مطلوب فيه أقصى الإمساك حتى تعتاد النفس وترتاض على ذلك في بقية الشهور، إذا علمت هذا؛ تبين لك وجه الربط في قول النبي ﷺ:«من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، رواه البخاري (١٩٠٣) وأبو داود والترمذي وابن ماجة (١٩٨٦).
إذ كيف يترك المرء ما هو مباح، ثم يرتكب ما هو محرم من قول الباطل والعمل على وفقه؟، إن من ترك طعامه وشرابه من أجل ربه؛ لا يفعل ذلك، بخلاف من تركه تقليدا ومتابعة.
وقد نقل الحافظ في فتح الباري (٤/ ١١٧) في معرض شرحه لحديث: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»؛ عن السبكي قوله: «في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقا، والصوم مأمور به مطلقا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين: أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيره، والثاني البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم، فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها، قال فإذا لم يسلم عنها نقص، ثم قال: ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة، وليس