المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات، لأنه يشترط له النية بالإجماع، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات لكن لما كان ذلك يشق خفف الله، وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده، فيكون اجتناب المفطرات واجبا، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات والله أعلم».
قلت: التعبير عن إتيان المخالفات بقوله: «لكن لما كان ذلك يشق» … ؛ مرغوب عنه، ويريد بقوله:«واجتناب ما عداها من المخالفات؛ من المكملات»؛ أي من المكملات لصحة الصوم، فالصوم ليس المقصود منه مجرد الامتناع من المفطرات، فإن ذلك صورة من صور العبادات، وهي أنواع، وهي وإن كانت مطلوبه ولا تؤخذ إلا من الشرع؛ لكن روحها ولبها واحد في جميع الصور، ولما كان لبها أعظم مطلوبية منها كان التسامح قد يحصل في الصورة للعذر، إما باشتراع بدلها، أو بالنيابة فيها، أو بالترخيص في تركها، أو بنسخها، لكن لا يتسامح في روحها ولبها المقصود منها، وقد قال النبي ﷺ عن الطواف:«الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه؛ فلا يتكلمن إلا بخير»، رواه الترمذي (٩٦٠) والحاكم والبيهقي عن ابن عباس.
وقد اختص الصوم بعدم معرفة مقدار مضاعفة الحسنات التي لصاحبه كما جاء في الحديث:«كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى ما شاء الله، قال الله ﷿ إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك»، رواه مالك (٦٨٩) وأحمد ومسلم (١١٥١) عن أبي هريرة.
وقد كان نبينا ﷺ جوادا، غير أنه كان في رمضان أجود من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يحصل له بالصوم من الفرح والتلذذ والتنعم بالطاعة والقرب من الله والأنس به ما يجعله كالآكل الشارب، فلا يشعر بالحاجة إلى ذلك، ولهذا قال: «إني