للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو فلق القلبَ المعلم في الصبا … لِأَلْفي فيه العلم كالنقش في الحجر

ما العلم بعد الشيب إلا تعسف … إذا كل قلب المرء والسمع والبصر

وما المرء إلا اثنان عقل ومنطق … فمن فاته هذا وهذا فقد دمر

وثانيتها: أن النفس إذا سبق إليها الخير في الصغر، وارتاضت عليه؛ كان أيسر عليها أن تواظب عليه في الكبر، وأبعد لها عن الملل والضجر.

والولد إذا بلغ سن التمييز صار أهلا لمجالسة العلماء وسؤالهم ومذاكرتهم والأخذ عنهم، والاعتداد بروايته متى اداها بالغا، وفي أصح كتب الإسلام بعد القرآن روايات حفظها أفراد وهم في سن الطفولة، استنبطت منها أحكام، ومن أمثلتها حديث محمود بن الربيع في المجة، وحديث ابن عباس في مبيته عند خالته ميمونة، وحديث عمر بن أبي سلمة، والنعمان بن بشير، وغيرهم.

وقد اعتبر الشرع أعمال الصغار، وبين أنهم يجزون عليها كيفما كانت أعمارهم، حتى قال بعض أهل العلم إنهم مطالبون بالأعمال على وجه الاستحباب، وحتى اختلفوا في إمامة الصغير المميز هل تصح مطلقا أو في النفل دون الفرض؟، وقد ثبت ائتمام بعض الصحابة بعمرو بن سلمة وعمره سبع أو ثمان سنين، لأنه كان أكثرهم حفظا للقرآن، وإنما أخذه مما كان يسمع من الذين يفدون على رسول الله .

وقد قالت امرأة للنبي عن طفل كانت تحمله ألهذا حج؟، قال: «نعم، ولك أجر» (١)، وقد كان النبي يسلم على الصغار، ويقربهم، ويقبلهم، ويلاعبهم، وقد حمل أمامة بنت زينب بنته -رضي الله تعالى عنها- في الصلاة، كما في الموطأ والصحيحين من حديث أبي قتادة، وأخباره مع محمود بن الربيع، ومع أبي عمير، ومع سبطيه الحسن والحسين والربيع بنت معوذ بن عفراء وغيرهم معروفة.

وانظر إلى عمر بن الخطاب كيف كان يحرص على أن يجلس عبد الله بن عباس مع كبار الصحابة وعمره يومئذ قد لا يبلغ السادسة عشرة، قال ابن عباس: فكأن


(١) رواه مسلم (١٣٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>