رخص فيهما للمحد كي تزيل أثر دم الحيض، لا تريد به التطيب، وقال العلماء إن المعتدة من وفاة تجتنب الطيب كله مذكره ومؤنثه، ولا تدهن، ولا تكتحل، ولو لضرورة على ظاهر الحديث الصحيح، وهو قول ابن عبد الحكم، والذي في المدونة والموطإ أنها يجوز لها أن تكتحل للضرورة، قالوا تفعل ذلك بالليل، وتمسحه بالنهار، كما هو في الموطإ (١٢٦٧ و ١٢٧٠) بلاغا عن أم سلمة، ورواه أبو داود (٢٣٠٥) عنها موصولا مرفوعا، وهو في ضعيف أبي داود للألباني، ولو صح فإنما هو من قياس أم سلمة -رضي الله تعالى عنها-، قال مالك: وإذا كانت الضرورة فإن دين الله يسر»، ولا تختضب بالحناء، ولا تلبس الحلي ذهبا كان أو فضة، أما ما عدا ذلك من الاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، والاحتجام، والاستحمام؛ فهي باقية على الأصل، فأما استثناء المؤلف الصبغ بالأسود من المنع؛ فهو قول مالك في الموطإ، ولأنه ليس لباس زينة، فإذا كانت عادة الناس أن يتزين به؛ فإنه يعطى حكم الزينة فيمتنع، وإذا لم يكن لباس زينة؛ فلا ينبغي لبسه مع قصد كونه لباس حداد، لأن فيه تشبها بالكفار، فالحاصل أنه يجب على المرأة أن لا تلبس لباس الزينة، ولا لباسا خاصا يميز المتوفى عنها من غيرها، ولا ما اعتاد الكفار لبسه في الحداد، ولو لم يكن لباس زينة.
واعلم أنه قد جاء ما اعتبر معارضا لحديث أم سلمة المأخوذ منه وجوب الإحداد، وهو حديث أسماء بنت عميس قالت: دخل علي رسول الله ﷺ اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال: «لا تحدي بعد يومك»، رواه أحمد وقال الحافظ في الفتح (٩/ ٦٠٣): «قوي الإسناد»، وقد اعتبره بعضهم ناسخا، وإذا أمكن الجمع فهو مقدم، وهو ممكن، وللعلماء كلام في أوجهه، فانظرها إن شئت في المرجع السابق وغيره.