للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموطإ (٦٦٠) قال: «وإذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع عليه الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج؛ فإنه يصوم ذلك اليوم»، انتهى، لكن هذا إن أفطر فليس عليه غير القضاء.

قلت: الظاهر أنه يجوز له أن يفطر ولو لم يشرع في السفر متى عزم عليه وأخذ أهبته، ودليله ما رواه الترمذي (٧٩٩) وحسنه عن محمد ابن كعب قال: «أتيت أنس بن مالك في رمضان، وهو يريد سفرا وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: «سنة»؟، قال: «سنة»، ثم ركب»، وقد رواه أيضا إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي كما في الاستذكار، وقول الصحابي عن الشيء سنة؛ من المرفوع حكما، ومنها ما في الموطإ: «من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه وطلع له الفجر قبل أن يدخل؛ دخل وهو صائم»، انتهى، وقد استند مالك في هذا إلى أثر عن عمر رواه من فعله، والظاهر أن من أدركه النهار وهو مسافر فأفطر؛ فهو ممن شملتهم الرخصة، وأن قول مالك بصيامه على الاستحسان، لا على الإلزام، كما أن الظاهر جواز الفطر للمسافر ولو بعد شروعه في الصوم لحديث عبد الله بن عباس في إفطاره هو وأصحابه حين بلغ الكديد، وقد تقدم.

فإن قيل: كان الفطر للمشقة لا للسفر وحده؛ فالجواب: أن المشقة لم تلحق النبي كما هو واضح من سياق حديث جابر عند مسلم والترمذي (٧١٠) والنسائي، ومثله حديث ابن عباس عند أحمد، لكن مشهور المذهب لزوم الكفارة للمسافر إذا أفطر بعد أن شرع في الصيام من غير عذر، وفرق مالك بين هذا وبين من أراد السفر فأفطر ولم يخرج حتى طلع الفجر فرق بينهما بوجه تراه في المدونة (١/ ١٨٠).

قال ابن القيم في زاد المعاد (٢/ ٥٥): «ولم يكن من هديه تقدير المسافة التي يفطر فيها المسافر بحد، ولا صح عنه في ذلك شيء، وقد أفطر دحية بن خليفة في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام قد رغبوا عن هدي محمد ، وكان الصحابة حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويجدون أن ذلك سنته وهديه،،،»، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>