ويرون استقلالهم بفعلها، وهذا باطل، وقد كان في الأقدمين منهم منكرو تعلق علم الله بالأشياء قبل وقوعها، ثم اندثروا ولم يبق لهم ذكر، لكن هذا الزمان زمان العجائب، فلا عجب أن يظهر فيه ما لم يكن من قبل.
ومما ينبغي معرفته أنه لا يصح أن ينسب الشر إلى الله تعالى بمفرده، فلا يقال إن الله تعالى خالق الشر، ولا خالق القردة والخنازير، لما قد يفهم منه من نسبة الشر إلى الله تعالى، فإن أفعاله تعالى لا تخلو من حكمة ولا تنفك عن مصلحة، وإن رآها الناس شرا، ولقول رسول لله ﷺ:«والخير كله بيديك، والشر ليس إليك»(١).
وقال الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)﴾ [آل عمران: ٢٦]، فذكر نزع الملك والإذلال، وذلك شر فيما يبدو لبعض الناس، وقد يكون خيرا عند بعضهم، لكنه قال ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾، فعقلنا عدم نسبة الشر إلى الله، وإن كان سبحانه خالق كل شيء، ولهذا قال بعد ذلك: ﴿إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وفي الآية وصف لفعله تعالى فلا يصح أن يؤخذ منه اسم له تعالى فيقال المعز المذل.
وقال نبي الله إبراهيم ﷺ يثني على ربه ﷿: ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)﴾ [الشعراء: ٧٥ - ٨٠]، فنسب المرض لنفسه، ولم يسنده لربه، مع أنه من صنعه، وخلقه، ونسب الهداية والإطعام والسقي والشفاء له، فهذا من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن مع ربه، واقرأ كلام الخضر لموسى ﵉: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ [الكهف: ٧٩]، وقال: ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [الكهف: ٨٢].
(١) وهو طرف من حديث دعاء الاستفتاح في «صحيح مسلم» (٧٧١).