الأصل أن يدفن كل ميت في قبر ابتداء، إلا من ضرورة أو عسر، فكيف إذا كان الميت قد دفن، وصار قبره دارا له، كما قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (٢٦)﴾ [المرسلات: ٢٥ - ٢٦]، مع ما في ذلك من هتك حرمته، وقد تكسر عظامه، وقد قال رسول الله ﷺ:«كسر عظم الميت ككسر عظمه حيا»، رواه أبو داود (٣٢٠٧) عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، والظاهر أن معناه في الإثم، إذ لا قصاص بينهما، وفي الموطإ (٥٥٠) عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: «ما أحب أن أدفن بالبقيع، إنما هو أحد رجلين: إما ظالم فلا أحب أن أكون معه، وإما صالح فلا أحب أن تنبش لي عظامه»، وليس معنى ذلك أن عروة يجيز نبش عظام الظالم، بل ذكر هنا ما يحبه من مجاورة الصالح، وما يكرهه من مجاورة الظالم، قال ابن عبد البر:«وفي خبر عروة هذا دليل على أن الناس بظلمهم يعذبون في قبورهم، والله أعلم، ولذلك استحبوا الجار الصالح في المحيا والممات»، وقال مالك في الموطإ:«لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة ويجعل الأكبر مما يلي القبلة»، وقال أشهب كما في النوادر:«وإذا صادف الحافر للقبر قبرا؛ فليرد ترابه ويدعه، فإن حرمة كسر عظامه ميتا كحرمته حيا»، وفي النوادر أيضا أن من كفن أكثر من ميت في كفن واحد، أو دفن أكثر من ميت في قبر واحد فله حظه من الإساءة، وقال خليل:«والقبر حبس لا يمشى عليه، ولا ينبش ما دام به»، قال الدردير شارحه:(ولا ينبش)، أي يحرم، (ما دام) الميت، أي مدة ظن دوام شيء من عظامه غير عجب الذنَب (به)، أي فيه، وإلا جاز المشي والنبش للدفن فيه، لا بناؤه دارا، ولا حرثه للزراعة».