للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجدب، اعتمادا على الأصل، قالوا ولأن السلف لم يفعلوه، ومنهم من رأى مشروعيته، لأنه من باب التعاون على البر والتقوى، ولكونه يدخل في دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب، والقولان في المذهب، قال ابن عرفة في تفسيره: «أخذ المازري من هذه الآية - يعني قوله تعالى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)[البقرة: ٦٠]- جواز استسقاء المخصب للمجدب، لأن موسى لم ينله ما نالهم من العطش، ورده ابن عرفه بأنه رسولهم وهو معهم،.

قال الشيخ الطاهر بن عاشور بعد أن نقل ما تقدم: وهو رد متمكن، إذ ليس المراد باستسقاء المخصب للمجدب الأشخاص، وإنما المراد استسقاء أهل بلد لم يصبهم الجدب لأهل بلد مجدبين، واختار اللخمي جواز هذا الاستسقاء، لأنه من التعاون على البر والتقوى، ولأن دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، وقال المازري فيه نظر، لأن السلف لم يفعلوه»، وهذا النقل عن المازري كما ترى فيه تناقض، وقد أشار إلى قول اللخمي ورد المازري عليه صاحب المختصر بقوله: «واختار إقامة غير المحتاج بمحله لمحتاج، قال: وفيه نظر».

وقد قال الإمام الشافعي: «وإذا كانت ناحية مخصبة، وأخرى مجدبة فحسن أن يستسقي إمام الناحية المخصبة لأهل الناحية المجدبة ولجماعة المسلمين ويسأل الله الزيادة لمن أخصب مع استسقائه لمن أجدب».

وقال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره: «فقوله ﴿اسْتَسْقَى﴾ صريح في أن طالب السقي موسى وحده، سأله من الله تعالى، ولم يشاركه قومه في الدعاء لتظهر كرامته وحده، كذلك كان استسقاء النبي يوم لجمعة على المنبر لما قال له الأعرابي: «هلك الزرع والضرع فادع الله أن يسقينا»، قال: وقوله ﴿لِقَوْمِهِ﴾ مؤذن بأن موسى لم يصبه العطش، وذلك لأنه خرج في تلك الرحلة موقنا أن الله حافظهم ومبلغهم إلى الأرض المقدسة، فلذلك وقاه الله أن يصيبه جوع أو عطش وكلل، وكذلك شأن الأنبياء، فقد قال النبي في حديث وصال الصوم: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني».

<<  <  ج: ص:  >  >>