بعد طلوع الفجر إنما هو ركعتا الفجر، كما في حديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال:«لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين»، رواه أبو داود (١٢٧٨) والترمذي (٤١٩)، وهذا لفظه، والمراد بالسجدتين الركعتان، والقول الأول هو الصواب، وقد اختلف في المذهب على القول بأنه يركعهما: هل يصليهما بنية النافلة يعني التحية، أو بنية إعادة الفجر حتى يخرج بذلك عن النهي، وهذا من أعاجيب الرأي، وقد يكون منشؤه ما في النقل عن الإمام في هذه المسألة من اللفظ القلق، ففهم منه هذا المعنى، وقد تفطن له القاضي ابن العربي، فقال في العارضة:«وإن صلاهما في بيته؛ فقال مالك وابن وهب عنه يركعهما، وروى ابن نافع: لا يعيدهما، وهذا لفظ قلق، إنما يقال: هل يحيي المسجد بركعتيه، أم يجلس دون تحية؟، فقيل لا يحيي، وقيل يحيي، وهو الصحيح، وبه أقول»، انتهى ببعض الاختصار، ويعني باللفظ القلق «يركعهما»، و «يعيدهما»، لأن ذلك موهم أنه يعيد ركعتي الفجر، وأستبعد أن يكون هو مراد الإمام.
وقد احترز بقوله:«ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر إلى طلوع الشمس»؛ ما قد يتوهم من جواز التنفل بعد طلوع الفجر أخذا من الخلاف الذي ذكره فيمن ركع الفجر في بيته: هل يصلي تحية المسجد أو لا، وكذا ما ذكره من قضاء من غلبته عيناه ورده ولو طلع الفجر، فإن هذا تخصيص للنهي فلا يتجاوز، وقد علمت أن ركعتي الفجر تصليان بعد صلاة الصبح إذا لم يصلهما المرء قبلها كما مر، لكن المذهب أنهما لا تصليان إلا بعد طلوع الشمس.
وختام هذا الباب ما ذكره القرطبي في تفسيره في سورة المرسلات «أن مالكا ﵀ دخل المسجد بعد صلاة العصر، وهو ممن لا يرى الركوع بعد العصر، فجلس ولم يركع، فقال له صبي: يا شيخ قم فاركع، فقام فركع!!، ولم يحاجه بما يراه مذهبا، فقيل له في ذلك، فقال: خشيت أن أكون من الذين ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨)﴾ [المرسلات: ٤٨].