للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رمى إليه قائله، وإلا كان تحريفا له، فالشافعي قصد الاحتياط لمنزلة الحاكم في إقامة شرع الله، فإذا غلب على الأحكام أن تتم عن طريق الصلح والتحكيم كان في ذلك افتيات عليه، وقد يؤدي إلى التفريط في الأحكام فتتناسى بسبب التنازل عنها عن طريق الصلح، لكن هذا إنما يكون إذا كان ولاة المسلمين قائمين بالحكم الشرعي حامين لبيضة الإسلام، ولا يخفى ما عليه المسلمون من التفريط في هذا المقام.

وإذا كان التحكيم قد شرعه الله تعالى لما فيه من مصلحة للحاكم نفسه وللقاضي، إذ فيه تخفيف عنه، فإن فيه أيضا مصلحة للمتخاصمين حيث يجتنبون مشقة الترافع إليه، وانكشاف الأسرار التي يَحْسُنُ أن لا تذاع، والمحاكمات في هذا العصر تجري في العلن، ومن ذلك إمكانية التعافي في الحدود قبل بلوغها للحاكم لو كان الحكم الشرعي قائما، فلهذا قال العلماء إن أصله الجواز، ولقول النبي : «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو حلل حراما، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما»، رواه الترمذي وابن ماجة عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، وقال الترمذي حسن صحيح، وبعضه عند أحمد وفي سنن أبي داود والحاكم عن أبي هريرة وقد تقدم، لكن حكمه اليوم الوجوب للسبب الذي علمت، لاسيما إذا اجتهد المؤمنون ليطالبوا الحكام بتوثيق ما وقع عليه الصلح حتى يصير غير مختلف عن الحكم القضائي من حيث التنفيذ، وقد وجد هذا الذي كنت أطالب به، إذ أحدث في القضاء عندنا شيء من هذا القبيل، لكن المدار على من انتدبوا للإصلاح بين الناس هل يعرفون الشرع؟، الظاهر خلافه، فلم يخرج الأمر عن مخالفة حكم الله قضاء أو صلحا، والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>