للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليكون ذلك جنة له ووقاية.

ويظهر أن ما ذهب إليه المصنف من قياس غير الصلاة عليها في قوله: «فكذلك ينبغي أن يعلموا ما فرض الله على العباد من قول وعمل قبل بلوغهم»؛ هو الحق، وفي الحديث ما يشهد له، لاسيما والعلة ظاهرة بالاستنباط، فإن الصلاة وإن كانت لها تلك الخصوصية التي ذكرتها فلا تنفرد بمطلوبية التدريب والترويض، وما ذهب إليه بعضهم من أن الصوم لا يندب في حق الصبي، ولا يجوز للولي إلزام الصبي به لما فيه من المشقة والتعذيب، وإذا صام فلا ثواب له، لكون الثواب في فعل المطلوب، لا في فعل المباح ولا المنهي عنه؛ كل ذلك فيه نظر، بل بعضه منتقض بالنص على حج الصبي، وسيأتي الكلام على هذا في الصيام.

ومن تراجم البخاري عليه الرحمة في صحيحه قوله: باب صوم الصبيان، وأورد فيه قول عمر بن الخطاب الذي رواه سعيد بن منصور أن عمر أتي برجل شرب الخمر في رمضان، فلما دنا منه جعل يقول: «للمنخرين والفم»!! وعند البغوي: فلما رفع إليه عثر، فقال عمر: «على وجهك ويحك؛ وصبياننا صيام»!!، فهذا كاف في الدلالة على أنه في عهد الصحابة كان الصبيان يصومون.

بل روى البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت: «أرسل النبي غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم، قال: فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك، حتى يكون عند الإفطار».

وقوله فيه قال: «فكنا نصومه بعد، ونصوم صبياننا» الخ، القائل هو خالد بن ذكوان الراوي عن الربيع بنت معوذ، وهو من صغار التابعين، فهو يدل على شيوع هذا الأمر في عهد التابعين أيضا بعد شيوعه في عصر الصحابة، أما أنه مرفوع حكما فلا، وفي كلام الحافظ ما يوهم أنه مرفوع (١).

ثم استدركت فقلت: هذا بناء على تذكير ضمير «قال»، في الحديث كما هو في


(١) «الفتح»: ٤/ ٢٥٥ - (٢٥٧)، باب صوم الصبيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>