للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاصة قاله الضحاك، واستدل بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)[المدَّثر: ٦]، أي لا تعطي العطاء تريد أكثر منه، وقال ابن عباس: الربا رباءان، فربا لا يصح - يعني ربا البيع - وربا لا بأس به، وهو هدية الرجل يريد فضلها وأضعافها ثم تلا هذه الآية، انتهى كلام ابن كثير، وروى مالك في الموطإ عن عمر قال: «ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها»، انتهى.

قال كاتبه: ما أجدر هذا النوع أن يسمى بيعا، فإن المراد من الهبة لغة وشرعا الإكرام والإحسان وتأليف القلوب، فحق هذا النوع أن يدرج في مباحث البيع، لكن الجهل بأحد عوضيه وهو الغالب عليه يمنع من إلحاقه به، فإن عرف العوض باشتراطه وتم التراضي بقبول الهبة فالصواب اعتباره بيعا، وإن جهل فلا مناص لمن اعتبروا هذا النوع مشروعا أن يغرموا الموهوب له قيمته إن فات، أما القول بأنه شبيه بنكاح التفويض فزلة من قائله، أما الاستدلال بآية سورة الروم فإنه لولا ما جاء من المأثور عن السلف المكرمين لكان المتجه أن يبقى على معنى الآية في الربا المحرم، لأنه أصل الحقيقة الشرعية، والمجاز لا يصار إليه من غير دليل، ويكون قوله تعالى: ﴿فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾، مشابها لقوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾، وقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾، نظير قوله سبحانه: ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾.

وهذا يمضي على قاعدة القرآن حيث جاء التشريع متدرجا في الأمور التي فشت في الناس كالخمر والميسر والربا، ومما يقوي ذلك اقتران الربا بذكر الصدقة والموازنة بينهما في مواضع ثلاثة من القرآن هنا وفي سورتي البقرة وآل عمران، ثم إن القول بأن النبي خص بالمنع اعتمادا على آية سورة المدثر ليس كما ينبغي، فبعد التسليم بدلالة الآية على ذلك يأتي الاعتراض بأن الأصل في التشريع العموم، ودعوى الخصوصية مفتقرة إلى الدليل، بل لا يبعد أن يكون المراد من الخطاب أمته من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، ثم إن تلك الآية لو حملناها على ما قالوا لدلت بالمفهوم على جواز طلب المكافأة بالمثل في حقه ، لأنه إنما نهاه ربه عن الاستكثار: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾، على أننا لو قدرنا صحة حمل الآية على هبة الثواب فليس لنا أن نتجاوز في كونها دالة على ما يضمره المعطي من الرجاء في المكافأة الزائدة على ما أعطى، فتكون الآية إن صح شمولها لما قالوا متجهة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>